الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ اخْتَارَ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا التَّقْسِيمِ قَوْلَ مُجَاهِدٍ : إنَّهُ لَمْ يَقْتَحِمْ الْعَقَبَةَ فِي الدُّنْيَا ؛ وَإِنَّمَا اخْتَارَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ الثَّالِثَةِ :﴿ وَمَا أَدْرَاك مَا الْعَقَبَةُ ﴾.
ثُمَّ قَالَ فِي الْآيَةِ الرَّابِعَةِ :﴿ فَكُّ رَقَبَةٍ ﴾.
وَفِي الْآيَةِ الْخَامِسَةِ :﴿ أَوْ إطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ﴾.
ثُمَّ قَالَ فِي الْآيَةِ السَّادِسَةِ :﴿ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ﴾.
ثُمَّ قَالَ فِي الْآيَةِ السَّابِعَةِ :﴿ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ﴾، فَهَذِهِ الْأَعْمَالُ إنَّمَا تَكُونُ فِي الدُّنْيَا.
الْمَعْنَى فَلَمْ يَأْتِ فِي الدُّنْيَا بِمَا يُسَهِّلُ لَهُ سُلُوكَ الْعَقَبَةِ فِي الْآخِرَةِ.
تَحْقِيقُهُ : وَمَا أَدْرَاك مَا الْعَقَبَةُ ؛ أَيُّ شَيْءٍ يَقْتَحِمُ بِهِ الْعَقَبَةَ ؛ لِأَنَّ الِاقْتِحَامَ يَدُلُّ عَلَى مُقْتَحَمٍ بِهِ، وَهُوَ مَا فَسَّرَهُ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ : أَوَّلُهَا فَكُّ رَقَبَةٍ.
وَالْفَكُّ هُوَ حَلُّ الْقَيْدِ، وَالرِّقُّ قَيْدٌ، وَسُمِّيَ الْمَرْقُوقُ رَقَبَةً لِأَنَّهُ كَالْأَسِيرِ الَّذِي يُرْبَطُ بِالْقَيْدِ فِي عُنُقِهِ قَالَ حَسَّانُ : كَمْ مِنْ أَسِيرٍ فَكَكْنَاهُ بِلَا ثَمَنٍ وَجَزِّ نَاصِيَةٍ كُنَّا مَوَالِيهَا وَفَكُّ الْأَسِيرِ مِنْ الْعَدُوِّ مِثْلُهُ ؛ بَلْ أَوْلَى مِنْهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِيمَا قَبْلُ.
وَفِي الْحَدِيثِ :﴿ مَنْ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا كَانَ فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ ﴾.
وَفِي الْحَدِيثِ ﴿ مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ حَتَّى الْفَرْجَ بِالْفَرْجِ ﴾.
وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَظِيمٌ فِي تَكْفِيرِ الزِّنَا بِالْعِتْقِ.
وَفِي كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ { أَنَّ وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ سَأَلَ أَنْ يُحَدِّثَ بِحَدِيثٍ لَا وَهْمَ فِيهِ وَلَا نُقْصَانَ، فَغَضِبَ وَاثِلَةُ، وَقَالَ : الْمَصَاحِفُ تُجَدِّدُونَ فِيهَا النَّظَرَ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً وَأَنْتُمْ تَهُمُّونَ تَزِيدُونَ وَتُنْقِصُونَ، ثُمَّ قَالَ : جَاءَ نَاسٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَاحِبُنَا