٣- كثير من القراءات يكمل بعضها بعضًا، أو يفسر بعضها بعضًا. فكما أن القرآن يفسر بعضه بعضًا، فكذلك القراءات يفسر بعضها بعضًا، ويفسر بعضها بعض القرآن. ونضرب لذلك الأمثلة القليلة الآتية:
أ- يقول تعالى متحدثًا عن فئة من اليهود: ﴿وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا، وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ، وَرَاعِنَا. لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ﴾ (النساء: ٤٦). فكانوا يسكتون على ﴿راعنا﴾ لتوهم أنهم يريدون "الرعاية" مع أن قصدهم "الرعونة". ولذا جاءت قراءة الحسن وابن محيصن كاشفة نية اليهود حينما نونت كلمة ﴿راعنًا﴾، وهذا واضح من قول بقية الآية: ﴿لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ﴾.
ب- قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ (آل عمران: ١٦١)، وهناك قراءة سبعية ﴿وما كان لنبيّ أن يُغَلّ﴾ - بالبناء للمجهول. فمعنى الأولى: أن يَخُون أصحابه بأخذ شيء من الغنائم خفية. ومعنى الثانية: أن يُخَوَّن– بالبناء للمجهول. وقد جاء في الأثر أن أحد المنافقين قال يوم بدر حين فقدت قطيفة حمراء من الغنيمة: خاننا محمد وغلّنا، فأكذبه الله عز وجل. ولا شك أن القراءتين يكمل بعضهما بعضًا.
ج- قال تعالى: ﴿فَقُولُوا يَاأَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا﴾ (يوسف: ٨١)، وحيث لم يكن الأخ سارقًا في الحقيقة، وإنما كان متهمًا بالسرقة، جاءت القراءة التالية لتدل على هذا المعنى، وهي: ﴿قالوا يا أبانا إن ابنك سُرِّقَ﴾ بالبناء للمجهول.
ومع اقتناعنا بأن القراءات جميعها تتساوى في ضرورة الاهتمام بها، والتوفر على دراستها، فإننا لم نشأ أن نحرم مستخدم المعجم من التمييز بين درجات القراءات، فذكرنا أمام كل قراءة درجة المصدر الذي وردت فيه. وسوف نزيد هذه النقطة تفصيلاً حين الحديث عن منهجنا في ذلك.