فَرْضُ الْهِجْرَةِ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) الْجِهَادَ، عَلَى رَسُولِهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) : جِهَادَ الْمُشْرِكِينَ ؛ بَعْدَ إذْ كَانَ أَبَاحَهُ ؛ وَأَثْخَنَ رَسُولُ اللَّهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فِي أَهْلِ مَكَّةَ وَرَأَوْا كَثْرَةَ مَنْ دَخَلَ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ اشْتَدُّوا عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ ؛ فَفَتَنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، أَوْ مَنْ فَتَنُوا مِنْهُمْ.
فَعَذَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْهِجْرَةِ مِنْ الْمَفْتُونِينَ.
فَقَالَ :﴿ إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ﴾، وَبَعَثَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) أَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) جَعَلَ لَكُمْ مَخْرَجًا.
وَفَرَضَ عَلَى مَنْ قَدِرَ عَلَى الْهِجْرَةِ، الْخُرُوجَ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُفْتَتَنُ عَنْ دِينِهِ، وَلَا يُمْنَعُ.
فَقَالَ فِي رَجُلٍ مِنْهُمْ تُوُفِّيَ : تَخَلَّفَ عَنْ الْهِجْرَةِ، فَلَمْ يُهَاجِرْ ﴿ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ﴾ الْآيَةَ.
وَأَبَانَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عُذْرَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، فَقَالَ :﴿ إلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ ﴾ الْآيَةَ قَالَ : وَيُقَالُ :( عَسَى ) مِنْ اللَّهِ : وَاجِبَةٌ.
وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْهِجْرَةِ عَلَى مَنْ أَطَاقَهَا، إنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْ فُتِنَ عَنْ دِينِهِ، بِالْبَلْدَةِ الَّتِي يُسْلِمُ بِهَا.
لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) أَذِنَ لِقَوْمٍ بِمَكَّةَ أَنْ يُقِيمُوا بِهَا، بَعْدَ إسْلَامِهِمْ مِنْهُمْ : الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَغَيْرُهُ إذْ لَمْ يَخَافُوا الْفِتْنَةَ.
وَكَانَ يَأْمُرُ جُيُوشَهُ أَنْ يَقُولُوا لِمَنْ أَسْلَمَ إنْ هَاجَرْتُمْ فَلَكُمْ مَا