وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ : قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ رَجُلًا ؛ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا، أَوْ كَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا : فَالْوَرَعُ أَنْ يَحْنَثَ، وَلَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ يَحْنَثُ.
لِأَنَّ الرَّسُولَ وَالْكِتَابَ، غَيْرُ الْكَلَامِ : وَإِنْ كَانَ يَكُونُ كَلَامًا فِي حَالٍ وَمَنْ حَنَّثَهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) قَالَ :﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ﴾.
وَقَالَ : إنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) يَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ، فِي الْمُنَافِقِينَ :﴿ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ ﴾ ؛ وَإِنَّمَا نَبَّأَهُمْ مِنْ أَخْبَارِهِمْ بِالْوَحْيِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ ( عَلَيْهِ السَّلَامُ ) عَلَى النَّبِيِّ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )، وَيُخْبِرُهُمْ النَّبِيُّ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) بِوَحْيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَمَنْ قَالَ : لَا يَحْنَثُ ؛ قَالَ : لِأَنَّ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : كَلَامُ الْآدَمِيِّينَ : بِالْمُوَاجَهَةِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَجَرَ رَجُلٌ رَجُلًا كَانَتْ الْهِجْرَةُ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ فَكَتَبَ إلَيْهِ، أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ : وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى كَلَامِهِ لَمْ يُخْرِجْهُ هَذَا مِنْ هِجْرَتِهِ : الَّتِي يَأْثَمُ بِهَا.