وَمِمَّا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ حَدَّثَهُمْ أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ :﴿ وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ ﴾.
فَاحْتَمَلَ أَمْرُ اللَّهِ بِالْإِشْهَادِ عِنْدَ الْبَيْعِ ؛ أَمْرَيْنِ :( أَحَدُهُمَا ) أَنْ يَكُونَ دَلَالَةً عَلَى مَا فِيهِ الْحَظُّ بِالشَّهَادَةِ ؛ وَمُبَاحٌ تَرْكُهَا.
لَا : حَتْمًا يَكُونُ مَنْ تَرَكَهُ عَاصِيًا بِتَرْكِهِ.
( وَاحْتَمَلَ ) أَنْ يَكُونَ حَتْمًا مِنْهُ يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ بِتَرْكِهِ.
وَاَلَّذِي أَخْتَارُ : أَنْ لَا يَدَعَ الْمُتَبَايِعَانِ الْإِشْهَادَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا إذَا أَشْهَدَا لَمْ يَبْقَ فِي أَنْفُسِهِمَا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنْ كَانَ حَتْمًا فَقَدْ أَدَّيَاهُ، وَإِنْ كَانَ دَلَالَةً فَقَدْ أَخَذَا بِالْحَظِّ فِيهَا.
قَالَ : وَكُلُّ مَا نَدَبَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) إلَيْهِ مِنْ فَرْضٍ، أَوْ دَلَالَةٍ فَهُوَ بَرَكَةٌ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِشْهَادَ فِي الْبَيْعِ، إذَا كَانَ دَلَالَةً : كَانَ فِيهِ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ، أَوْ أَحَدَهُمَا إنْ أَرَادَ ظُلْمًا : قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ ؛ فَيُمْنَعُ مِنْ الظُّلْمِ الَّذِي يَأْثَمُ بِهِ.
وَإِنْ كَانَ تَارِكًا : لَا يُمْنَعُ مِنْهُ.
وَلَوْ نَسِيَ، أَوْ وَهِمَ فَجَحَدَ مُنِعَ مِنْ الْمَأْثَمِ عَلَى ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ، وَكَذَلِكَ : وَرَثَتُهُمَا بَعْدَهُمَا ؟، أَوْ لَا تَرَى أَنَّهُمَا، أَوْ أَحَدَهُمَا : لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا : أَنْ يَبِيعَ ؛ فَبَاعَ هُوَ رَجُلًا، وَبَاعَ وَكِيلُهُ آخَرَ : وَلَمْ يُعْرَفْ : أَيُّ الْبَيْعَيْنِ أَوَّلُ ؟ : لَمْ يُعْطَ الْأَوَّلُ مِنْ الْمُشْتَرِيَيْنِ ؛ بِقَوْلِ الْبَائِعِ.
وَلَوْ كَانَتْ بَيِّنَةٌ، فَأَثْبَتَتْ أَيُّهُمَا أَوَّلُ ؟ أُعْطِيَ الْأَوَّلُ ؟، فَالشَّهَادَةُ : سَبَبُ قَطْعِ الْمَظَالِمِ، وَتَثْبِيتِ الْحُقُوقِ.
وَكُلُّ أَمْرِ اللَّهِ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ )، ثُمَّ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) : الْخَيْرُ الَّذِي لَا يُعْتَاضُ مِنْهُ مَنْ تَرَكَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَاَلَّذِي يُشْبِهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِيَّاهُ أَسْأَلُ


الصفحة التالية
Icon