ويقولون في المثال الثاني : إن الحسنة والسيئة كلتاهما يتقدير الله عز وجل، لكن الحسنة سببها التفضل من الله تعالى على عباه، أما السيئة فعل العبد كما قال تعالى(وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى: ٣٠) فإضافة السيئة إلى العبد من إضافة الشيء إلى سببه، لا من إضافته إلى مقدرة، أما إضافة الحسنة والسيئة إلى الله تعالى فمن باب إضافة الشيء إلى مقدرة، وبهذا يزول ما يوهم الاختلاف بين الآيتين لإنفكاك الجهة.
ويوقون في المثال الثالث : أن النبي ﷺ لم يقع منه شك فيما أنزل إليه، بل هو أعلم الناس به، وأقواهم يقينا كما قال الله تعالى في نفس السورة :( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ )(يونس: من الآية ١٠٤) المعنى إن كنت في شك منه فأنا على يقين منه، ولهذا لا أعبد الذين تعبدون من دون الله، بل أكفر بهم وأعبد الله.
ولا يلزم من قوله :(فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ)(يونس: من الآية ٩٤) أن يكون الشك جائزا على الرسول ﷺ، أو واقعا منه. ألا ترى قوله تعالى :(قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) (الزخرف: ٨١) هل يلزم منه أن يكون الولد جائزا على الله تعالى أو حاصلا ؟ كلا، فهذا لم يكن حاصلا، ولا جائزا على الله تعالى، قال الله تعالى :( وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) (مريم: ٩٢) (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً) (مريم: ٩٣)