فقال: ليس هذا من عمل أولئك القوم، إنما يعرف الشعر من يضطر إلى أن يقول مثله، وفى الشعر ضروب لم يحسنها الفرزدق، ولقد ماتت النوار امرأته فناح عليها بقول جرير: لولا الحياء لعادني استعبار * ولزرت قبرك والحبيب يزار (١) وروى عن أبى عبيدة: أنه قال للفرزدق (٢): مالك لا تنسب كما ينسب جرير ؟ فغاب حولا، ثم جاء فأنشد: يا أخت ناجية بن سامة إننى * أخشى عليك بنى إن طلبوا دمى (٣) والاعدل في الاختيار ما سلكه أبو تمام (٤) من الجنس الذى جمعه في كتاب " الحماسة "، وما اختاره من " الوحشيات "، وذلك أنه تنكب (٥) المستنكر الوحشى، والمبتذل العامي، وأتى بالواسطة.
وهذه طريقة من ينصف في الاختيار، ولا يعدل به غرض (٦) / يخص، لان الذين اختاروا الغريب فإنما اختاروه لغرض لهم في تفسير ما يشتبه على غيرهم، وإظهار (٧) التقدم في معرفته، وعجز غيرهم عنه، ولم يكن قصدهم جيد الاشعار لشئ يرجع إليها في أنفسها.
ويبين هذا: أن الكلام الموضوع للابانة عن الاغراض التى في النفوس وإذا كان كذلك وجب أن يتخير من اللفظ ما كان أقرب إلى الدلالة على (٨) المراد، وأوضح في الابانة عن المعنى المطلوب، ولم يكن مستكره المطلع على الاذن، و [ لا ] (٩) مستنكر المورد على النفس، حتى يتأبى بغرابته (١٠) في اللفظ عن الافهام، أو يمتنع بتعويص (١١) معناه عن الابانة.
ويجب أن يتنكب ما كان عامى اللفظ (١٢)، مبتذل العبارة، ركيك المعنى، سفسافى الوضع، مجتلب

(١) ديوانه ص ١٩٩ والصناعتين ص ١٧ والشعر والشعراء ١ / ٤٦٤ (٢) م " قال قيل للفرزدق " (٣) ديوانه ص ٧٧٨ (٤) م " أبو تمام " (٥) س، ك " تنكر " (٦) م " به إلى غرض " (٧) م في نفسه لكونه مما يشتبه غيرهم ولاظهار " (٨) ا " عن " (٩) الزيادة من م (١٠) م " لغربته " (١١) م " لعويص " (١٢) س، ك " ما كان عليه اللفظ " (*)


الصفحة التالية
Icon