فإن اشتبه عليه البغض، فهو لاشتباه الطريقين، وتماثل الصورتين، كما قد يشتبه شعر أبى تمام بشعر البحترى: في القليل الذى يترك أبو تمام فيه التصنع، ويقصد فيه التسهل، ويسلك الطريقة الكتابية، / ويتوجه في تقريب الالفاظ وترك تعويض المعاني، ويتفق له مثل بهجة أشعار البحترى وألفاظه.
ولا يخفى على أحد يميز هذه الصنعة سبك أبى نواس [ من سبك مسلم ] (١)، ولا نسج ابن الرومي من نسج البحترى، وينبهه ديباجة (٢) شعر البحترى، وكثرة مائه، وبديع رونقه، وبهجة كلامه، إلا فيما يسترسل فيه، فيشتبه بشعر (٣) ابن الرومي، ويحركه ما لشعر (٤) أبى نواس من الحلاوة، والرقة، والرشاقة، والسلاسة، حتى يفرق بينه وبين شعر مسلم.
وكذلك يميز بين شعر الاعشى في التصرف، وبين شعر امرئ القيس، وبين شعر النابغة وزهير، وبين شعر جرير والاخطل، والبعيث والفرزدق. وكل له منهج معروف، وطريق مألوف.
ولا يخفى عليه في زماننا الفصل بين " رسائل عبد الحميد " وطبقته وبين طبقة من بعده (٥)، حتى إنه لا يشتبه عليه ما بين " رسائل ابن العميد " وبين رسائل أهل عصره ومن بعده من برع في صنعة الرسائل، / وتقدم في شأوها، حتى جمع فيها بين طرق المتقدمين وطريقة المتأخرين، [ و ] حتى خلص لنفسه طريقة (٦)، وأنشأ لنفسه منهاجا، فسلك تارة " طريقة الجاحظ " وتارة طريقة السجع، وتارة طريقة الاصل، وبرع في ذلك باقتداره، وتقدم بحذقه، ولكنه لا يخفى مع ذلك على أهل الصنعة طريقه من طريق غيره، وإن كان قد يشتبه البعض، ويدق القليل، وتغمض الاطراف، وتشذ النواحى.