وأما قول أبى نواس، " إذا عب فيها "، فكلمة قد قصد فيها المتانة، وكان سبيله أن يختار سواها من ألفاظ الشرب (١)، ولو فعل ذلك كان أملح.
وقوله: " شارب القوم "، فيه ضرب من التكلف الذى لا بد له منه أو من مثله، لاقامة الوزن.
ثم قوله: " خلته يقبل في داج من الليل كوكبا "، تشبيه بحالة واحدة من أحواله، وهى أن يشرب حيث لاضوء هناك، وإنما يتناوله ليلا، فليس بتشبيه مستوفى، على ما فيه من الوقوع والملاحة [ والصنعة ] (٢).
وقد قال ابن الرومي ما هو أوقع منه وأملح وأبدع: ومهفهف تمت محاسنه * حتى تجاوز منية النفس (٣)
تصبو الكئوس إلى مراشفه * وتحن في يده إلى الحبس أبصرته والكأس بين فم * منه وبين أنامل خمس وكأنها وكأن شاربها * قمر يقبل عارض الشمس (٤) / ولاشك في أن تشبيه ابن الرومي أحسن وأعجب (٥)، إلا أنه [ لم ] يتمكن من إيراده [ إلا ] في (٦) بيتين، وهما - مع سبقهما إلى المعنى - أتيا به في بيت واحد.
* * * وإنما أردت بهذا أن أعرفك أن هذه أمور متقاربة (٧)، يقع فيها التنافس والتعارض، والاطماع تتعلق (٨) بها، والهمم تسمو إليها، وهى إلف طباعنا، وطوع مداركنا، ومجانس (٩) لكلامنا.
وإعجاب قوم بنحو هذا وما يجرى مجراه، وإيثار أقوام لشعر البحترى

(١) س: " الشراب " (٢) الزيادة من م (٣) ديوانه ص ٢٤٤ والعمدة ٢ / ١٧٣ (٤) م: " فكأنها " (٥) وفى العمدة ٢ / ١٧٣: " وقد أربى ابن الرومي عليهما جميعا بقوله: أبصرته... وكأنها... ولكن بيت أبى نواس أملا للفم والسمع، وأعظم هيبة في النفس والصدر، ولذلك كان أسير " (٦) س، ك: " إلا أنه تمكن من إيراده في بيتين " (٧) م: " هذه الامور المتقاربة " (٨) س: " معلقة " (٩) م: " وهى إلف طباعها، وطوع مداركها، ومحاسن لكلامنا " (*)


الصفحة التالية
Icon