بذلك حدتهما، وسرعة حركتهما، واحساسهما بالصوت، كما يحس الورق بحفيف الريح، وظاهر التشبيه غير واقع، وإذا ضمن ما ذكرنا من المعنى كان المعنى حسنا، ولكن لا يدل عليه اللفظ، وإنما يجرى مجرى المضمن.
وليس هذا البيت برائق اللفظ، ولا مشاكل فيه لطبعه، غير (١) قوله: " متوجس برقيقتين "، فإن هذا القدر هو حسن (٢).
وأما البيت الثالث، فقد ذكرنا فيما مضى من الكتاب أنه من باب الاستطراد (٣) ونقلنا نظائر ذلك من قول أبى تمام وغيره، وقطعة أبى تمام في نهاية الحسن في هذا المعنى.
والذى وقع للبحتري في هذا البيت عندي (٤) ليس بجيد في لفظ ولا معنى، وهو بيت وحش جدا، قد صار قذى في عين هذه القصيدة، بل وخزا فيها ووبالا عليها، قد كدر صفاءها، وأذهب بهاءها وماءها، وطمس بظلمته سناءها.
وما وجه مدح الفرس بأنه لا يعاف قذى من المياه إذا وردها ؟ ! كأنه أراد أن يسلك مسلك بشار في قوله: * ولا يشرب الماء إلا بدم (٥) * وإذا كان لهذا الباب مجانبا، وعن هذا السمت بعيدا، فهلا وصفها بعزة الشرب ؟ كما وصفها المتنبي في قوله: وصول إلى المستصعبات بخيله * فلو كان قرن الشمس ماء لا وردا (٦) وهلا (٧) سلك في مسلك القائل:
وإنى للماء الذى شابه القذى * إذا كثرت وراده لعيوف ؟ ! (٨)

(١) م: " ثم قوله " (٢) م: " الحسن " (٣) راجع ص ١٢٩ (٤) سقطت هذه الكملة من م (٥) صدره: " فتى لا يبيت على دمنة " (٦) ديوانه ١ / ١٨٧ من قصيدة يمدح بها سيف الدولة (٧) م: " وهذا " (٨) غير منسوب في زهر الآداب ٢ / ١٩٤ وفيه: " للماء المخالط للقذى " (*)


الصفحة التالية
Icon