فإن قيل: فالبيان قد يتعلم ؟ قيل: إن الذى يمكن أن يتوصل إليه بالتعلم يتقارب (١) فيه الناس، وتتناهى فيه العادات، وهو كما يعلم من مقادير القوى في حمل الثقيل، وأن الناس يتقاربون (٢) في ذلك، فيرمون (٣) فيه إلى حد، فإذا تجاوزوه وقفوا بعده ولم يمكنهم التخطي، ولم يقدروا على التعدي، إلا أن يحصل ما يخرق العادة، وينقض العرف، ولن يكون ذلك إلا للدلالة على النبوات، على شروط في ذلك.
والقدر الذى يفوت الحد في البيان، ويتجاوز الوهم (٤)، ويشذ عن الصنعة، ويقذفه الطبع في النادر القليل، كالبيت البديع، والقطعة الشريفة التى
تتفق في ديوان شاعر (٥)، والفقرة تتفق في رسالة (٦) كاتب، حتى يكون الشاعر ابن بيت أو بيتين، أو قطعة أو قطعتين، والاديب شهير (٧) كلمة أو كلمتين - ذلك أمر قليل (٨).
ولو كان كلامه كله يطرد على ذلك المسلك، ويستمر على ذلك المنهج أمكن أن يدعى فيه الاعجاز.
ولكنك إن كنت من أهل الصنعة: تعلم قلة الابيات الشوارد، والكلمات الفرائد (٩)، وأمهات القلائد.
فإن أردت أن تجد قصيدة كلها وحشية، وأردت أن تراها مثل بيت من أبياتها مرضية - لم تجد ذلك في الدواوين، ولم تظفر بذلك إلى يوم الدين.
ونحن لم ننكر أن يستدرك البشر كلمة شريفة، ولفظة بديعة، وإنما أنكرنا أن يقدروا على مثل نظم سورة أو (١٠) نحوها، وأحلنا أن / يتمكنوا من حد في البلاغة، ومقدار في الخطابة.
وهذا كما قلناه: من (١١) أن صورة الشعر قد تتفق في القرآن، وإن لم يكن له حكم الشعر.

(١) كذا في م، ك.
وفى س " يتفاوت " (٢) كذا في ك.
وفى م " يتفاوتون " (٣) ك، م " ويرمون " (٤) م: " ويتجاوز الفهم... على " (٥) م: " الشاعر " (٦) س، ك: " في رسالة " (٧) س، ك: " شهيد " ! (٨) م، ا: " الفوارد "
(٩) م: " قريب ".
(١٠) م: " ونحوها ".
(١١) سقطت من م ".
(*)


الصفحة التالية
Icon