فصل في حقيقة المعجز (١)
معنى قولنا: " إن القرآن معجز " على أصولنا: أنه لا يقدر العباد عليه.
وقد ثبت أن المعجز الدال على صدق النبي، صلى الله عليه وسلم، لا يصح دخوله
تحت قدرة (٢) العباد، وإنما ينفرد الله تعالى بالقدرة عليه، ولا يجوز أن يعجز العباد عما تستحيل قدرتهم عليه، كما يستحيل عجزهم عن فعل الاجسام، فنحن لا نقدر على (٣) ذلك وإن لم يصح وصفنا بأنا عاجزون عن ذلك حقيقة، وكذلك معجزات سائر الانبياء على هذا.
فلما لم يقدر عليه أحد شبه بما يعجز عنه العاجز، وإنما لا يقدر العباد على (٤) الاتيان بمثله، لانه لو صح أن يقدروا عليه بطلت (٥) دلالة المعجز، وقد أجرى [ الله ] (٦) العادة بأن يتعذر فعل ذلك منهم (٧)، وأن لا يقدروا عليه.
ولو كان غير خارج عن العادة لاتوا بمثله، أو عرضوا (٨) عليه من كلام فصحائهم وبلغائهم، ما يعارضه.
فلما لم يشتغلوا بذلك، علم أنهم فطنوا لخروج (٩) ذلك عن أوزان كلامهم، وأساليب نظامهم، وزالت أطماعهم عنه.
وقد كنا بينا أن التواضع ليس يجب أن يقع على قول الشعر (١٠) ووجوه النظم المستحسنة في الاوزان المطربة للسمع، لا يحتاج في مثله إلى توقيف، وأنه يتبين أن مثل ذلك يجرى في الخطاب، فلما جرى فيه فطنوا له واختاروه [ وطلبوه ] (١١).
، وطلبوا أنواع الاوزان والقوافي، ثم وقفوا (١٢) على حسن ذلك وقدروا عليه، بتوفيق الله عز وجل (١٣)، وهو الذى جمع خواطرهم عليه، وهداهم له (١٤)

(١) م، ب: " المعجزة " (٢) ك، م: " قد " (٣) م: " الاجسام ثم لا يقدروا على " (٤) ك، ب: " وإنما تعذر على العباد الاتيان " (٥) م: ك: " بطل " (٦) الزيادة من ب
(٧) س: " أن.
منه " (٨) س: " وعرضوا " (٩) ك: " فطنوا خروج " (١٠) م: " الشعراء " (١١) الزيادة من ب، م (١٢) ك: " وقعوا ".
م: " ولما وقفوا " (١٣) ب: " وهذا " (١٤) ك: " وبدا ".
م: " وبذا " (*)


الصفحة التالية
Icon