وهيأ دواعيهم إليه، ولكنه أقدرهم على حد محدود، وغاية في العرف مضروبة، لعلمه بأنه (١) سيجعل القرآن معجزا، ودل على عظم (٢) شأنه بأنهم قدروا على ما بينا من التأليف، وعلى ما وصفنا من النظم.
من غير توقيف ولا اقتفاء (٣) أثر، ولا تحد إليه ولا تقريع.
فلو كان هذا من ذلك القبيل، أو من الجنس الذى عرفوه وألفوه - لم تزل أطماعهم عنه، ولم يدهشوا عند وروده عليهم، فكيف (٤) وقد أمهلهم وفسح لهم في الوقت، وكان يدعوا إليه سنين كثيرة، وقال عز من قائل: (أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير) (٥).
وبظهور العجز عنه بعد طول التقريع والتحدى، بان أنه خارج عن عاداتهم، وأنهم لا يقدرون عليه.
وقد ذكرنا أن العرب كانت تعرف ما يباين عادتها (٦) من الكلام البليغ، لان ذلك طبعهم ولغتهم، فلم يحتاجوا إلى تجربة عند سماع القرآن، وهذا في البلغاء منهم، دون المتأخرين في الصنعة.
والذى ذكرناه يدلك على أنه لا كلام أزيد في قدر البلاغة من القرآن.
وكل من جوز أن يكون للبشر قدرة على أن يأتوا بمثله في البلاغة - لم يمكنه أن يعرف أن القرآن معجز بحال.
ولو لم يكن جرى في المعلوم (٧) أنه سيجعل القرآن معجزا، لكان (٨) يجوز أن تجرى عادات (٩) البشر بقدر زائد على ما ألفوه من البلاغة، وأمر يفوق ما عرفوه من الفصاحة.
وفى م: " عظيم " (٣) كذا في م، ا، ك.
وفى س " ولا اقتضاء " ! (٤) ا، م " كيف " (٥) سورة فاطر: ٤٥ (٦) س، ك " عاداتها " (٧) س " العلوم " (٨) م " كان " (٩) م " عادة ".
ويلى هذه الكلمة في سائر النسخ المطبوعة قبل طبعتنا هذه ما يلى " الاولين وأخبار المرسلين، وكذلك لا يوجد خلف فيما يتضمنه من الاخبار عن الغيوب " - إلى قول المؤلف: " وكذلك من يسمع القرآن يعلم أنه كلام الله وإن اختلف الحال في ذلك ".
وهذا الكلام الطويل الذى تبلغ سطوره: ٤١ سطرا مقحم هنا في غير موضعه، وقد سبق بنصه وفصه في ص ١٧ س ٩ إلى ص ١٩ س ١ من طبعة السلفية، وهو في طبعتنا هذه من ص ١٣ سطر ١٢ إلى ص ١٥ ! وهذا من أعجب العجب ! ! !.
(*)