سبب ذلك أنى قدمت بغداد لطلب الحديث، فلزمت الدارقطني (٣٠٦ - ٣٨٥) وكنت مرة ماشيا معه، فمر بنا شاب، فأقبل الشيخ عليه وعظمه، وأكرمه ودعا له، فلما فارقه قلت: أيها الشيخ الامام، من هذا الذى أظهرت من إكرامه ما رأيت ؟ فقال: أو ما تعرفه ؟ قلت: لا.
فقال: هذا أبو بكر بن الطيب الاشعري، ناصر السنة، وقامع المعتزلة.
ثم أفاض في الثناء عليه.
فكان ذلك سبب اختلافي إليه، وأخذى عنه.
(٤) أبو الحسن على بن عيسى السكرى الفارسى (٣٤٧ - ٤١٣) الشاعر الذى استفرغ شعره في مدح الصحابة، والرد على الرافضة، والنقض على شعرائهم وقد صحب الباقلانى، ودرس عليه الكلام، ومدحه بقصيدة طويلة، أوردها الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ٥ / ٣٨١ - ٣٨٢، وابن عساكر في تبيين كذب المفترى ص ٢٢٤ - ٢٢٦.
وهى من أشعار العلماء، وفيها يقول: اليعربى فصاحة وبلاغة * والاشعرى إذا اعتزى للمذهب قاض إذا التبس القضاء على الحجى * كشفت له الآراء كل مغيب وإذا الكلام تطاردت فرسانه * وتحامت الاقران كل مجرب ألفيته من لبه وجنانه * ولسانه وبيانه في مقنب
(٥) أبو الحسن الحربى: على بن أحمد المالكى، ٣٦٥ - ٤٣٧)
(٦) القاضى أبو جعفر: محمد بن أحمد السمنانى، الحنفي (٣٦١ - ٤٤٤).
(٧) أبو الحسن البغدادي: رافع بن نصر المتوفى سنة ٤٤٧.
(٨) أبو طاهر الواعظ محمد بن على، المعروف بابن الانباري (٣٧٥ - ٤٤٨)
(٩) أبو عبد الله: الحسين بن حاتم الازدي، المتوفى غريبا بالقيروان.
وهو أحد الذين رووا عن الباقلانى وصفه لمناظراته في مجلس ملك الروم.
وقد جاء في تبيين كذب المفترى ص ٢١٦: أن أبا الحسن بن داود الاشعري، المتوفى سنة ٤٠٢ " لما كان يصلى في جامع دمشق، تلكم فيه بعض الحشوية، فكتب إلى القاضى أبى بكر: محمد بن الطيب بن الباقلانى يعرفه ذلك، ويسأله أن يرسل إلى
كان يختلف إلى تعلم علم، ويشتغل بملابسة أهل صنعة، لم يخف على الناس أمره، ولم يشتبه (١) عندهم مذهبه، وقد كان يعرف فيهم من يحسن هذا العلم، وإن كان نادرا، وكذلك كان يعرف من يختلف إليه للتعلم، وليس يخفى في العرف عالم كل صنعة ومتعلمها، فلو كان منهم لم يخف أمره.
والوجه الثالث: أنه بديع النظم، عجيب التأليف، متناه في البلاغة إلى الحد الذى يعلم عجز الخلق عنه.
والذى أطلقه العلماء هو على هذه الجملة، ونحن نفصل ذلك بعض التفصيل، ونكشف الجملة التى أطلقوها.
فالذي يشتمل عليه بديع نظمه، المتضمن للاعجاز وجوه:
منها ما يرجع إلى الجملة، وذلك أن نظم القرآن على تصرف وجوهه، / وتباين (٢) مذاهبه - خارج عن المعهود من نظام جميع كلامهم، ومباين للمألوف من ترتيب خطابهم، وله أسلوب يختص به ويتميز في تصرفه عن أساليب الكلام المعتاد.
وذلك أن الطرق التى يتقيد بها الكلام البديع المنظوم، تنقسم إلى أعاريض الشعر، على اختلاف أنواعه، ثم إلى أنواع الكلام الموزون غير المقفى، ثم إلى أصناف الكلام المعدل المسجع، ثم إلى معدل موزون غير مسجع، ثم إلى ما يرسل إرسالا، فتطلب فيه الاصابة والافادة، وإفهام المعاني المعترضة على وجه بديع، ترتيب لطيف، وإن لم يكن معتدلا في وزنه، وذلك شبيه (٣) بجملة الكلام الذى لا يتعمل [ فيه ]، ولا يتصنع له.
وقد علمنا أن القرآن خارج عن هذه الوجوه، ومباين لهذه الطرق.
ويبقى علينا أن نبين أنه ليس من باب السجع، ولا فيه شئ منه، وكذلك ليس من قبيل الشعر، لان من الناس من زعم أنه كلام مسجع، ومنهم من يدعى (٤) فيه شعرا كثيرا.
والكلام عليهم يذكر بعد هذا الموضع.
فهذا إذا تأمله المتأمل تبين - بخروجه عن أصناف كلامهم، وأساليب خطابهم - أنه خارج عن العادة، وأنه معجز.
وهذه خصوصية ترجع إلى جملة القرآن، وتميز حاصل في جميعه.
* * *