هذه الوجوه مؤثرة في الجملة، آخذة بحظها من الحسن والبهجة، متى وقعت في الكلام على غير وجه التكلف المستبشع، والتعمل المستشنع ".
* * *
والفصل الثامن في كيفية الوقوف على إعجاز القرآن.
وعنده: أن إعجاز القرآن لا يخفى على العربي البليغ الذى قد تناهى في معرفة اللسان العربي، ووقف على طرقها ومذاهبها، ولا يشتبه على ذى بصيرة، ولا يخيل عند أخى معرفة.
وأما من لم يبلغ في الفصاحة الحد الذى يتناهى إلى معرفة أساليب الكلام، ووجوه تصرف اللغة، فهو كالأعجمي في أنه لا يمكنه أن يعرف إعجاز القرآن إلا بأن يعلم أن العرب قد عجزوا عنه، وإذا عجز هؤلاء عنه فهو عنه أعجز.
ثم نقل الباقلانى نصوصا من خطب النبي وكتبه، وكلام أبى بكر وعمر وعثمان وعلى وابن عباس وعبد الله بن مسعود ومعاوية وعمر بن عبد العزيز والحجاج وقس ابن ساعدة وأبى طالب.
وقد استغرقت هذه النصوص من ص ١٩٦ - إلى ص ٢٣٤.
و ثم قال: إنه نسخ لقارئ كتابه جملا من كلام الصدر الاول ومحاوراتهم وخطبهم، ليتأملها بسكون طائر، وخفض جناح، وتفريغ لب، وجمع عقل حتى يقع له الفصل بين كلام الآدميين،.
وبين كلام رب العالمين، ويعلم أن نظم القرآن يخالف نظمهم، ويتبين الحد الذى يتفاوت بين كلام البليغين والخطيبين والشاعرين، وبين نظم القرآن جملة.
* * *
ثم عقد بابا جليل الشأن عظيم الخطر ص ٢٣٦، لبيان أن نظم القرآن يزيد في فصاحته على كل نظم، قال فيه: " إذا إردنا تحقيق ما ضمناه لك، فمن سبيلنا أن نعمد إلى قصيدة متفق على كبر محلها. وصحة نظمها، ووجوه بلاغتها، ورشاقة معانيها، وإجماعهم على إبداع صاحبها فيها، مع كونه من الموصوفين بالتقدم في الصناعة والمعروفين بالحذق في البراعة، فنقفك على مواضع خللها، وعلى تفاوت نظمها، وعلى اختلاف فصولها، وعلى كثرة فضولها، وعلى شدة تعسفها، وبعض تكلفها، وما تجمع من كلام رفيع، يقرن بينه وبين كلام وضيع، وبين لفظ سوقى، يقرن بلفظ ملوكي ".
وبعد أن عرض لكلام مسيلمة، رجع إلى ما ضمنه من الكلام على الاشعار
وكقول أبى تمام: لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه * لخر يلثم منه موطئ القدم (١) وكقول البحترى: ولو أن مشتاقا تكلف فوق ما * في وسعه، لمشى إليك المنبر (٢) ومن هذا الجنس في القرآن: (يوم نقول لجهنم هل امتلات وتقول هل من مزيد) (٣).
وقوله: (إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا) (٤).
وقوله: (تكاد تميز من الغيظ) (٥).
* * * ومما يعدونه من البديع " المماثلة " وهو ضرب من الاستعارة [ سماه قدامة التمثيل، وهو على العكس من الارداف، لان الارداف مبنى على الاسهاب والبسط، وهو مبنى على الايجاز والجمع ] (٦).
وذلك أن يقصد الاشارة إلى معنى، فيضع ألفاظا تدل عليه، وذلك المعنى بألفاظه مثال للمعنى الذى قصد الاشارة إليه.
نظيره من المنثور: أن يزيد بن الوليد بلغه أن مروان بن محمد يتلكأ عن بيعته، فكتب إليه: " أما بعد، فإنى أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى، فاعتمد على أيتهما
شئت " (٧).
وكنحو ما كتب به الحجاج إلى المهلب (٨): " فإن أنت فعلت ذاك، وإلا أشرعت إليك الرمح.
" فأجابه المهلب: " فإن أشرع الامير الرمح، قلبت إليه ظهر المجن ".

(١) غير موجود في ديوانه (٢) ديوانه ١ / ١٨ والصناعتين ٢٨٦ والموازنة ١ / ٢٩٦ (٣) سورة ق: ٣٠ (٤) سورة الفرقان: ١٢ (٥) سورة الملك: ٨ (٦) الزيادة من م (٧) سر الفصاحة ص ٢٢٢ (٨) في سر الفصاحة بعد ذلك: " حين حضه على قتال الازارقة وتوعده له..." (*)


الصفحة التالية
Icon