وقال " ان الله ما أنزل القرآن ليكون حجة على النبوة، بل هو كسائر الكتب المنزلة لبيان الاحكام من الحلال والحرام.
والعرب إنما يعارضوه، لان الله تعالى صرفهم عن ذلك، وسلب علومهم به وذهب هشام الفوطى، وعباد بن سليمان إلى أن القرآن لم يجعل علما للنبى وهو عرض من الاعراض، والاعراض لا يدل شئ منها على الله ولا على نبوة النبي.
وكان ذلك وغيره من أقوال أئمتهم، منبعا غزيرا للقول في إعجاز القرآن وقد انبرى كثير منهم للرد على من أنكر إعجازه جملة، كأبى الحسين الخياط وأبى على الجبائى، اللذين نقضا على " ابن الراوندي " كتابه " الدامع " الذى طعن فيه على نظم القرآن وما يحتويه من المعاني، وقال: إن فيه سفها وكذبا وكذلك رد كثير منهم على من خالف عن قول جماعتهم: بأن تأليف القرآن ونظمه معجز، وأنه علم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كالجاحظ الذى رد على النظام رأيه في الصرفة، في كتاب: " نظم القرآن ".
ألف الجاحظ كتابه في الاحتجاج لنظم القرآن وغريب تأليفه، وبديع تركيبه، على حد قوله في مقدمة كتاب الحيوان. وهو من كتبه الضائعة.
وقد أشار إليه الباقلانى في إعجاز القرآن، إذ يقول ص ٧: " وقد صنف الجاحظ في نظم القرآن كتابا لم يزد فيه على ما قاله المتكلمون قبله، ولم يكشف عما يلتبس في أكثر هذا المعنى " وأخشى أن يكون الباقلانى قد حاف في حكمه على نظم القرآن، وحملته العصبية المذهبية على تنقصه.
فقد وصف الجاحظ نظم القرآن في كتابه " حجج النبوة "
حيث يقول في صفحة ١٤٧ مخاطبا من كتب له الكتاب: " وفهمت - حفظك الله - كتابك الاول، وما حثثت عليه من تبادل العلم، والتعاون على البحث والتحاب في الدين، والنصيحة لجميع المسلمين.
وقلت اكتب إلى كتابا تقصد فيه إلى حاجات النفوس، وإلى صلاح القلوب، وإلى معتلجات الشكوك وخواطر الشبهات، دون الذى عليه أكثر المتكلمين من التطويل، ومن التعمق والتعقيد، ومن تكلف ما لا يجب، وإضاعة ما يجب.
وقلت: كن كالمعلم اللوحة رقم: ١ عنوان نسخة المتحف البريطاني المرموز لها بحرف: م اللوحتان: ٢، ٣ الصفحتان الاولى والاخيرة من نسخة المتحف البريطاني المرموز لها بحرف: م اللوحة: ٤ عنوان نسخة كوبريللى المرموز لها بحرف: ك اللوحة: ٥ الصفحة الاولى من نسخة كوبر يللى المرموز لها بحرف: ك اللوحة: ٦ آخر صفحة من نسخة كوبر يللى المرموز لها بحرف: ك اللوحة: ٧
الصفحة الاخيرة من نسخة الاسكوريال المرموز لها بحرف: ١
فصل في أن نبوة النبي ﷺ معجزتها القرآن
الذى يوجب الاهتمام التام بمعرفة إعجاز القرآن، أن نبوة نبينا عليه السلام بنيت (١) على هذه المعجزة، وإن كان قد أيد بعد ذلك بمعجزات كثيرة.
إلا أن تلك المعجزات قامت في أوقات خاصة، وأحوال خاصة، وعلى أشخاص خاصة.
ونقل بعضها نقلا متواترا يقع به العلم وجودا.
وبعضها مما نقل نقلا خاصا، إلا أنه حكى بمشهد من الجمع العظيم وأنهم شاهدوه، فلو كان الامر على خلاف ما حكى لا نكروه، أو لا نكره بعضهم،
فحل محل المعنى الاول، وإن لم يتواتر أصل النقل فيه.
وبعضها مما نقل من جهة الآحاد، وكان وقوعه بين يدى الآحاد.
فأما دلالة القرآن فهى عن معجزة عامة، عمت الثقلين، وبقيت بقاء العصرين.
ولزوم الحجة بها في أول وقت ورودها إلى يوم القيامة على حد واحد، وإن كان قد يعلم بعجز أهل العصر الاول عن الاتيان / بمثله - وجه دلالته، فيغنى ذلك عن نظر مجدد في عجز أهل هذا العصر عن الاتيان (٢) بمثله.
وكذلك قد يغنى عجز أهل هذا العصر عن الاتيان بمثله، عن النظر في حال أهل العصر الاول.
وإنما ذكرنا هذا الفصل، لما حكى عن " بعضهم " أنه زعم أنه وإن كان قد عجز عنه أهل العصر الاول فليس أهل هذا العصر بعاجزين عنه، ويكفى عجز أهل العصر الاول في الدلالة، لانهم خصوا بالتحدى دون غيرهم (٣).
يزداد ضياؤها على كر الدهور إشراقا، وعلى مر الليالى والايام ائتلاقا " كما قال الطبري في مقدمة تفسيره ١ / ٣.
فالاعجاز فيها واقع في كل عصر.
والتحدى بها لازم لاهل كل زمان (*)