من نبك قفا حبيب ذكرى منزل، ثم انظر هل يتعلق منك فكر بمعنى كلمة منها، واعلم أني لست أقول إن الفكر لايتعلق بمعاني الكلم المفردة أصلاً، ولكني أقول إنه لا يتعلق بها مجردة من معاني النحو، ومنطوقاً بها على وجه لا يتأتى معه تقدير معاني النحو وتوخيها فيها كالذي أريتك. وإلا فإنك إذا فكرت في الفعلين أو الاسمين تريد أن تخبر بأحدهما عن الشيء أنهما أولى أن تخبر به عنه، وأشبه بغرضك مثل أن تنظر أيهما أمدح وأذم، أو فكرت في الشيئين تريد أن تشبه الشيء بأحدهما أيهما أشبه به كنت قد فكرت في معاني أنفس الكلم. إلا أن فكرك ذلك لم يكن إلا من بعد أن توخيت فيها من معاني النحو، وهو أن أردت جعل الاسم الذي فكرت فيه خبراً عن شيء أردت فيه مدحاً أو فماً أو تشبيهاً أو غير ذلك من الأغراض. ولم تجىء إلى فعل أو اسم ففكرت فيه فرداً، ومن غير أن كان لك قصد أن تجعله خبراً أو غير خبر، فاعرف ذلك. وإن أردت مثالاً فخذ بيت بشار، من الطويل:
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا | وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه |
وليت شعري كيف يتصور وقوع قصد منك إلى معنى كلمة من دون أن تريد تعليقها بمعنى كلمة أخرى، ومعنى القصد إلى معاني الكلم أن تعلم السامع بها شيئاً لا يعلمه، ومعلوم أنك أيها المتكلم لست تقصد أن تعلم السامع معاني الكلم المفردة التي تكلمه بها فلا تقول: خرج زيد، لتعلمه معنى خرج في اللغة، ومعنى زيد، كيف، ومحال أن تكلمه بألفاظ لا يعرف هو معانيها كما تعرف. ولهذا لم يكن الفعل وحده من دون الاسم، و الاسم وحده من دون اسم اخر أو فعل كلاماً. وكنت لو قلت: خرج ولم تأت باسم، و قدرت فيه ضمير الشيء، أو قلت: زيد ولم تأت بفعل، ولا اسم آخر ولم تضمره في نفسل كان ذلك، وصوتاً تصوته سواء فاعرفه.