واعلم أنه كما يجب أن يكون المحدث عنه في إحدى الجملتين بسبب من المحدث عنه في الأخرى، كذلك ينبغي أن يكون الخبر عن الثاني مما يجري مجرى الشبيه والنظير أو النقيض للخبر في الأول. فلو قلت: زيد طويل القامة وعمرو شاعر. كان خلفاً، لأنه لا مشاكلة ولا تعلق بين طول القامة وبين الشعر، وإنما الواجب أن يقال: زيد كاتب، وعمرو شاعر، وزيد طويل القامة، وعمرو قصير. وجملة الأمر أنها لا تجيء حتى يكون المعنى في هذه الجملة لفقاً للمعنى في الأخرى ومضافاً له، مثل أن زيداً وعمراً إذا كانا أخوين، أو نظيرين، أو مشتبكي الأحوال على الجملة كانت الحال التي يكون عليها أحدهما من قيام أو قعود أو ما شاكل ذلك مضمومة في النفس إلى الحال التي عليها الأخر من غير شك. وكذا السبيل أبداً، والمعاني في ذلك كالأشخاص. فإنما قلت مثلاً: العلم حسن، والجهل قبيح. لأن كون العلم حسناً مضموم في العقول إلى كون الجهل قبيحاً.
واعلم أنه إذا كان المخبر عنه في الجملتين واحداً كقولنا: هو يقول ويفعل، ويضر وينفع، ويسيء ويحسن، ويأمر وينهى، ويحل ويعقد، ويأخذ ويعطي، ويبيع ويشتري، ويأكل ويشرب، وأشباه ذلك ازداد معنى الجمع في الواو قوة وظهوراً، وكان الأمر حينئذ صريحاً. وذلك أنك إذا قلت: هو يضر وينفع. كنت قد أفدت بالواو أنك أوجبت له الفعلين جميعاً، وجعلته يفعلهما معاً. ولو قلت: يضر ينفع، من غير واو لم يجب ذلك، بل قد يجوز أن يكون قولك: ينفع رجوعاً عن قولك يضر وإبطالاً له. وإذا وقع الفعلان في مثل هذا في الصلة ازداد الاشتباك والاقتران حتى لا يتصور تقدير إفراد في أحدهما عن الآخر، وذلك في مثل قولك: العجب من أني أحسنت وأسأت، ويكفيك ما قلت وسمعت، وأيحسن تنهى عن شيء وتأتي مثله؟ وذلك أنه لا يشبه على عاقل أن المعنى على جعل الفعلين حكم فعل واحد. ومن البين في ذلك قوله:

لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم وأن نكف الأذى عنكم وتؤذونا
المعنى: لا تطمعوا أن تروا إكرامنا، وقد وجد مع إهانتكم وجامعها في الحصول ومما له مأخذ لطيف في هذا الباب قول أبي تمام، من الطويل:
لهان علينا أن نقول وتفعلا ونذكر بعض الفصل منك وتفضلا
وأعلم أنه كما كان في الأسماء ما يصله معناه بالاسم قبله، فيستغني بصلة معناه له عن واصل يصله ورابط يربطه وذلك كالصفة التي لا تحتاج في اتصالها بالموصوف إلى شيء يصلها به، وكالتأكيد الذي يفتقر كذلك إلى ما يصله بالمؤكد كذلك يكون في الجمل ما تتصل من ذات نفسها بالتي قبلها، وتستغني بربط معناها لها عن حرف عطف يربطها، وهي كل جملة كانت مؤكدة للتي قبلها، ومبينة لها. وكانت إذا حصلت لم تكن شيئاً سواها، كما لا تكون الصفة غير الموصوف والتأكيد غير المؤكد. فإذا قلت: جاءني زيد الظريف وجاءني القوم كلهم لم يكن الظريف وكلهم غير زيد وغير القوم.


الصفحة التالية
Icon