الثاني : أن العادة على العموم أن يبدأ المفسر من أول القرآن ثم يجري على الترتيب، وأي سبب يحمل الرازي على أن يطفر ثم يطفر ثم يطفر ؟
ويستدل للثاني بأمور :
الأول : أن الظاهر أنه فقد شيء من تفسير الرازي لنقل ذلك. الثاني أن ابن أبي أصيبعة تلميذ الخويى ذكر تفسير الرازي، وأنه في اثنتي عشرة مجلدة بخطة الدقيق، ولم يذكر فقد شيء منه، وذكر تكملة الخويى..
الثالث : إن ابن خلكان مع سعة إطلاعه وتحريه وتثبته ذكر "أن الرازي لم يكمل تفسيره، أما الإحالات السابقة ففيها فرائن توهم دلالتها على أن الرازي قد كان فرغ من تفسير جميع السور التي بما قبلها...
القرينة الأولى : قلة تلك الإحالات.
القرينة الثانية : أن عبارته في أكثرها قريبة الاحتمال لأن يكون إنما أحال على ما عزم عليه، لأعلى ما قد فرغ منه. وذلك كقوله :"مفسر في سورة سبأ" مفسرة في سورة الطور" مفسرة في آخر سورة الطور" "مفسر في سورة النجم" وقوله في بعضها :"قد ذكرنا" ونحوه يحتمل التجوز بأن يكون نزل لمعزوم عليه منزلة ما قد وقع. وهون عليه ذلك أن تلك السور التي يحيل على تفسيرها متقدمة في ترتيب القرآن ويرى أنه إذا فسرها بعد ذلك سيكون تفسيره لها متقدماً في الترتيب على موضع الإحالة، فاستثقل أن يكون في كتابه إحالة على ما تقدم فيه بلفظ "سيأتي" ونحوه.
فأما الاستدلال بالعادة واستبعاد الطفر فيخفف من قوته إننا نجد في تفسير الرازي إحالات عديدة على تفسير سور مستقبلة بألفاظ صارخة بأنه قد فسرها قبل ذلك.
ففي نفس الآية السابعة من سورة البقرة التفسير (١/١٩٢) :
"المسألة الثامنة واستقصينا في بيانه في سورة الشعراء".
وفي تفسير الآية السادسة من المائدة – التفسير – (٢/٥٩٢) :
"وقد حققنا الكلام في هذا الدليل في تفسير قوله تعالى :﴿ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له ﴾ فليرجع إليه" والآية في سورة البينة.


الصفحة التالية
Icon