ثم قال تعالى :﴿ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرةً إلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : معناه وإن التولية عن بيت المقدس إلى الكعبة والتحويل إليها لكبيرةٌ، وهذا هو قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة.
والثاني : إن الكبيرة هي القبلة بعينها التي كان رسول الله ﷺ يتوجه إليها من بيت المقدس قبل التحويل، وهذا قول أبي العالية الرياحي.
والثالث : أن الكبيرة هي الصلاة، التي كانوا صَلَّوْهَا إلى القبلة الأولى، وهذا قول عبد الرحمن بن زيد.
ثم قال تعالى :﴿ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إيمَانَكُم ﴾ يعني صلاتكم إلى بيت المقدس، فسمى الصلاة إيماناً لاشتمالها على نية وقول وعمل، وسبب ذلك أن المسلمين لما حُوِّلُوا عن استقبال بيت المقدس إلى الكعبة، قالوا لرسول الله ﷺ : كيف من مات من إخواننا؟ فأنزل الله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضيعَ إيمَانَكُم ﴾.
فإن قيل : هم سألوه عن صلاةِ غيرهم، فأجابهم بحال صلاتهم؟ قيل : لأن القوم أشفقوا، أن تكون صلاتهم إلى بيت المقدس مُحْبَطةً لمنْ مات ومن بقي، فأجابهم بما دَلَّ على الأمرين، على أنه قد روى قوم أنهم قالوا : كيف تضيع صلاتنا إلى بيت المقدس فأنزل الله تعالى ذلك. ﴿ إنَّ الله بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ الرأفة : أشد من الرحمة، وقال أبو عمر عمرو بن العلاء : الرأفة أكثر من الرحمة.


الصفحة التالية
Icon