﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبَ ﴾
قوله تعالى :﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبَ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : يصدقون بالغيب، وهذا قول ابن عباس.
والثاني : يخشون بالغيب، وهذا قول الربيع بن أنس ( ١٠٠ ).
وفي الأصل الإيمان ( ١٠١ ) ثلاثة أقوال :
أحدها : أن أصله التصديق، ومنه قوله تعالى :﴿ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا ﴾ أي بمصدِّق لنا.
والثاني : أن أصله الأمان فالمؤمن يؤمن نفسه من عذاب الله، والله المؤمِنُ لأوليائه من عقابه.
والثالث : أن أصله الطمأنينة، فقيل للمصدق بالخبر مؤمن، لأنه مطمئن. وفي الإيمان ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنّ الإيمان اجتناب الكبائر.
والثاني : أن كل خصلة من الفرائض إيمان.
والثالث : أن كل طاعةٍ إيمان.
وفي الغيب ثلاثة تأويلات :
أحدها : ما جاء من عند الله، وهو قول ابن عباس.
والثاني : أنه القرآن، وهو قول زر بن حبيش.
والثالث : الإيمان بالجنة والنار والبعث والنشور.
﴿ وَيُقِيمونَ الصَّلوة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ( ٣ ) ﴾
وفي قوله تعالى :﴿ وَيُقِيمُون الصَّلاَةَ ﴾ تأويلان :
أحدهما : يؤدونها بفروضها.
والثاني : أنه إتمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع فيها، وهذا قول ابن عباس.
واختُلف لِمَ سُمِّي فعل الصلاة على هذا الوجه إقامةً لها، على قولين :
أحدهما : من تقويم الشيء من قولهم قام بالأمر إذا أحكمه وحافظ عليه.
والثاني : أنه فعل الصلاة سُمِّي إقامة لها، لما فيها من القيام فلذلك قيل : قد قامت الصلاة.
وفي قوله :﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ ثلاثة تأويلات :
أحدها : إيتاء الزكاة احتساباً لها، وهذا قول ابن عباس.
والثاني : نفقة الرجل على أهلِهِ، وهذا قول ابن مسعود.
والثالث : التطوع بالنفقة فيما قرب من الله تعالى، وهذا قول الضحاك :
وأصل الإنفاق الإخراج، ومِنْهُ قيل : نَفَقَتِ الدابة إذا خرجت رُوحها.
واختلف المفسرون، فِيمَنْ نزلت هاتان الآيتان فيه، على ثلاثة أقوال :
أحدها : أنها نزلت في مؤمني العرب دون غيرهم، لأنه قال بعد هذا :﴿ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ﴾ يعني به أهْلَ الكتاب، وهذا قول ابن عباس.
والثاني : أنها مع الآيتين اللتين من بعد أربع آيات نزلت في مؤمني أهل الكتاب، لأنه ذكرهم في بعضها.
والثالث : أن الآيات الأربع من أول السورة، نزلت في جميع المؤمنين، وروى ابن أبي نجيح ( ١٠٣ )، عن مجاهد قال :« نزلت أربع آيات من سورة البقرة في نعت المؤمنين، وآيتان في نعت الكافرين، وثَلاَث عَشْرَةَ في المُنافقين.