قوله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا ﴾ قيل : هم رؤساء اليهود، كعب ابن الأشرف، وكعب بن أسد، وابن صوريا، وزيد بن التابوت، هم الذين كتموا ما أنزل الله.
﴿ مَنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن البينات هي الحجج الدالة على نبوة محمد ﷺ، والهدى : الأمر باتباعه.
والثاني : أن البينات والهدى واحد، والجمع بينهما تأكيد، وذلك ما أبان عن نبوته وهدى إلى اتباعه.
﴿ مَنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ في الْكِتَابِ ﴾ يعني القرآن.
﴿ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ﴾ فيهم أربعة أقوال :
أحدها : أنهم كل شيء في الأرض من حيوان وجماد إلا الثقلين الإنس والجن، وهذا قول ابن عباس والبراء بن عازب.
والثاني : اللاعنون : الاثنان إذا تلاعنا لحقت اللعنة مستحقها منهما، فإن لم يستحقها واحد منهما رجعت اللعنة على اليهود، وهذا قول ابن مسعود.
والثالث : أنهم البهائم، إذا يبست الأرض قالت البهائم هذا من أجل عُصاةِ بني آدم، وهذا قول مجاهد وعكرمة.
والرابع : أنهم المؤمنون من الإنس والجن، والملائكة يَلعنون مَنْ كَفَر بالله واليوم الآخر، وهذا قول الربيع بن أنس.
﴿ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا ﴾ يعني بالإسلام من كفرهم ﴿ وَأَصْلَحُوا ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : إصلاح سرائرهم وأعمالهم.
والثاني : أصلحوا قومهم بإرشادهم إلى الإسلام ﴿ وَبَيَّنُوا ﴾ يعني ما في التوراة من نبوة محمد ﷺ ووجوب اتَباعه ﴿ فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِم ﴾ والتوبة من العباد : الرجوع عن الذنب، والتوبة من الله تعالى : قبولها من عباده.
قوله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ ﴾ وإنما شرط الموت على الكفر لأن حُكْمَهُ يستقر بالموت عليه ويرتفع بالتوبة منه. ﴿ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ ﴾ واللعنة من العباد : الطرد، ومن الله تعالى : العذاب. ﴿ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ وقرأ الحسن البصري :﴿ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعُونَ ﴾ بالرفع، وتأويلها : أولئك جزاؤهم أن يلعنهم الله وتلعنهم الملائكة ويلعنهم الناس أجمعون.
فإن قيل : فليس يلعنهم جميع الناس لأن قومهم لا يلعنونهم، قيل : عن هذا جوابان :
أحدهما : أن اللعنة من أكثر الناس يطلق عليها لعنة جميع الناس، فغلب حكم الأكثر على الأقل.
والثاني : أن المراد به يوم القيامة يلعنهم قومهم مع جميع الناس كما قال تعالى :﴿ يَومَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضِ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ﴾ [ العنكبوت : ٢٥ ].
ثم قال تعالى :﴿ خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : لا يخفف بالتقليل والاستراحة.
والثاني : لا يخفف بالصبر عليه والاحتمال له.
﴿ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : لا يؤخرون عنه ولا يمهلون.
والثاني : لا ينظر الله تعالى إليهم فيرحمهم.


الصفحة التالية
Icon