والثالث : أن هذا محمول على تأويل عليّ ( رضي الله عنه ) في أول الآية؟ في القصاص بين الرجل والمرأة والحر والعبد وأداء ما بينهما من فاضل الدية.
ثم في الاتباع بالمعروف والأداء إليه بإحسان وجهان ذكرهما الزَّجَّاج :
أحدهما : أن الاتباع بالمعروف عائد إلى ولي المقتول أن يطالب بالدية بمعروف، والأداء عائد إلى القاتل أن يؤدي الدية بإحسان.
والثاني : أنهما جميعاً عائدان إلى القاتل أن يؤدي الدية بمعروف وبإحسان.
ثم قال تعالى :﴿ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ﴾ يعني خيار الولي في القود أو الدية، قال قتادة : وكان أهل التوراة يقولون : إنما هو قصاص أو عفو ليس بينهما أرش، وكان أهل الإنجيل يقولون : إنما هو أرش أو عفو ليس بينهما قود، فجعل لهذه الأمة القود والعفو والدية إن شاءوا، أحلها لهم ولم تكن لأمة قبلهم، فهو قوله تعالى :﴿ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِكُم وَرَحْمَةٌ ﴾.
ثم قال تعالى :﴿ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ يعني مَنْ قَتَلَ بعد أَخْذِهِ الدية فله عذاب أليم، وفيه أربعة تأويلات :
أحدها : أن العذاب الأليم هو أن يقتل قصاصاً، وهو قول عكرمة، وسعيد بن جبير، والضحاك.
والثاني : أن العذاب الأليم هو أن يقتله الإمام حتماً لا عفو فيه، وهو قول ابن جريج، وروي أن النبي الله عليه وسلم كان يقول :« لاَ أُعَافِي رَجُلاً قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَّةِ
»
. والثالث : أن العذاب الأليم هو عقوبة السلطان.
والرابع : أن العذاب الأليم استرجاع الدية منه، ولا قود عليه، وهو قول الحسن البصري.
قوله تعالى :﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : إذا ذكره الظالم المعتدي، كف عن القتل فحيي، وهذا قول مجاهد وقتادة.
والثاني : أن إيجاب القصاص على القاتل وترك التعدي إلى من ليس بقاتل حياة للنفوس، لأن القاتل إذا علم أن نفسه تؤخذ بنفس من قتله كف عن القتل فَحِيِيَ أن يقتل قوداً، أو حَيِيَ المقتول أن يقتل ظلماً.
وفي المعنيين تقارب، والثاني أعم، وهو معنى قول السدي.
وقوله تعالى :﴿ يَا أُولِي الألْبَابِ ﴾ يعني يا ذوي العقول، لأن الحياة في القصاص معقولة بالاعتبار.
وقوله تعالى :﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ قال ابن زيد : لعلك تتقي أن تقتله فتقتل به.


الصفحة التالية
Icon