[ ثم عدنا إلى تفسير ما بقي من الآية ].
قوله تعالى :﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ ﴾ يعني مريضاً لا يقدر مع مرضه على الصيام، أو على سفر يشق عليه في سفره الصيام.
﴿ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه مع وجود السفر، يلزمه القضاء سواء صام في سفره أو أفطر، وهذا قول داود الظاهري.
والثاني : أن في الكلام محذوفاً وتقديره : فأفطر فعدة من أيام أخر، ولو صام في مرضه وسفره لم يعد، لكون الفطر بهما رُخْصَة لا حتماً، وهذا قول الشافعي، ومالك، وأبي حنيفة، وجمهور الفقهاء.
ثم قال تعالى :﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهٌ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ هكذا قرأ أكثر القراء، وقرأ ابن عباس، ومجاهد :﴿ وَعَلَى الَّذِينَ لاَ يَطِيقُونَهُ فدية ﴾، وتأويلها : وعلى الذين يكلفونه، فلا يقدرون على صيامه لعجزهم عنه، كالشيخ والشيخة والحامل والمرضع، فدية طعام مسكين، ولا قضاء عليهم لعجزهم عنه. وعلى القراءة المشهورة فيها تأويلان :
أحدهما : أنها وردت في أول الإسلام، خيّر الله تعالى بها المطيقين للصيام من الناس كلهم بين أن يصوموا ولا يكفروا، وبين أن يفطروا ويكفروا كل يوم بإطعام مسكين، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى :﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾، وقيل بل نسخ بقوله :﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيرٌ لَّكُم ﴾، وهذا قول ابن عمر، وعكرمة، والشعبي، والزهري، وعلقمة، والضحاك.
والثاني : أن حكمها ثابت، وأن معنى قوله تعالى :﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ﴾ أي كانوا يطيقونه في حال شبابهم، وإذا كبروا عجزوا عن الصوم لكبرهم أن يفطروا، وهذا سعيد بن المسيب، والسدي.
ثم قال تعالى :﴿ فَمَنْ تَطَوَّعَ خيراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : فمن تطوع بأن زاد على مسكين واحد فهو خير له وهذا قول ابن عباس ومجاهد وطاووس والسدي.
والثاني : فمن تطوع بأن صام مع الفدية فهو خير له وهذا قول الزهري ورواية ابن جريج عن مجاهد.
ثم قال تعالى :﴿ وَاَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُم ﴾ يحتمل تأويلين :
أحدهما : أن الصوم في السفر خير من الفطر فيه والقضاء بعده.
والثاني : أن الصوم لمطيقه خير وأفضل ثواباً من التكفير لمن أفطر بالعجز.
﴿ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : إن كنتم تعلمون ما شَرَّعْتُه فيكم وَبَيَّنْتُه من دينكم.
والثاني : إن كنتم تعلمون فضل أعمالكم وثواب أفعالكم.


الصفحة التالية
Icon