والقول الثاني : أنه يريد بالخيط الأبيض ضوء النهار، وهو الفجر الثاني، وبالخيط الأسود سواد الليل قبل الفجر الثاني. وروى الشعبي عن عدي بن حاتم : أنه عند إلى خيطين أبيض وأسود، وجعلهما تحت وسادته، فكان يراعيهما في صومه، ثم أخبر رسول الله ﷺ فقال :« إنَّكَ لَعَرِيضُ الْوِسَادِةِ، إِنَّمَا هُوَ بَيَاضُ النَّهَارِ وَسَوَادُ اللَّيلِ ». وسُمِّيَ خيطاً، لأن أول ما يبدو من البياض ممتد كالخيط، قال الشاعر :

الخيط الأبيض ضوء الصبح منفلق والخيط الأسْودُ لون الليل مكتومُ
والخيط في كلامهم عبارة عن اللون.
والثالث : ما حكي عن حذيفة بن اليمان أن الخيط الأبيض ضوء الشمس، ورويَ نحوُهُ عن عليّ وابن مسعود. وقد روى زَرٌ بن حبيش عن حذيفة قال : كان النبي ﷺ يتسحر وأنا أرى مواقع النبل، قال : قلت بعد الصبح؟ قال : هو الصبح إلا أنه لم تطلع الشمس، وهذا قول قد انعقد الإجماع على خلافه، وقد روى سوادة بن حنظلة عن سَمُرة بن جندب قال : قال رسول الله ﷺ :« لاَ يَمْنَعَنَّكُم مِنْ سُحُورِكُم أذانُ بِلالٍ وَلاَ الفَجْرُ المُسْتَطِيلُ وَلَكِن الفَجْرُ المُسْتَطِيرُ فِي الأُفُقِ ». وروى الحارث بن عبد الرحمن عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال : قال النبي ﷺ :« الفَجْرُ فَجْرَانِ، فَالَّذِي كَأَنَّهُ ذَنَبُ السرحانِ لاَ يُحرِّمُ شَيْئاً، وَأَمَّا الْمُسْتَطِيرُ الّذِي يَأْخُذُ الأُفُقَ فَإِنَّهُ يُحِلُّ الصَّلاَةَ وَيُحَرِّمُ الطَّعَامَ
»
. فأما الفجر، فإنه مصدر من قولهم فَجَرَ الماءُ يَفْجُرُ فَجْراً، إذا جرى وانبعث، فلذلك قيل للطالع من تباشير ضياء الشمس من مطلعها :( فجر ) لانبعاث ضوئه، فيكون زمان الصوم المجمع على تحريم الطعام والشراب فيه وإباحته فيما سواه : ما بين طلوع الفجر الثاني وغروب الشمس.
روى عطاء عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال :« أَعْظَمُ الصَّائِمينَ أَجْراً أَقْرَبُهُم منَ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ إِفْطَاراً
»
. ﴿ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيلِ ﴾ يعني به غروب الشمس.
وفي قوله تعالى :﴿ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنََّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ تأويلان :
أحدهما : عني بالمباشرة الجماع، وهو قول الأكثرين.
والثاني : ما دون الجماع من اللمس والقبلة، قاله ابن زيد ومالك.
﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ ﴾ أي ما حرم، وفي تسميتها حدود الله وجهان :
أحدهما : لأن الله تعالى حدها بالذكر والبيان.
والثاني : لما أوجبه في أكثر المحرمات من الحدود.
وقوله تعالى :﴿ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ ءَيَاتِهِ لِلنَّاسِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني بآياته علامات متعبداته.
والثاني : أنه يريد بالآيات هنا الفرائض والأحكام.


الصفحة التالية
Icon