قوله تعالى :﴿ الَّذِينَ يُنِفقُونَ أَمْوَلَهُمْ في سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَآ أَنفَقُواْ مَنّاً وَلآَ أَذىً ﴾ المَنّ في ذلك أن يقول : أحسنت إليك ونعّشتك، والأذى أن يقول : أنت أباداً فقير، ومن أبلاني بك، مما يؤذي قلب المُعْطَى.
﴿ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ يعني ما استحقوه فيما وعدهم به على نفقتهم.
﴿ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : لا خوف عليهم في فوات الأجر.
والثاني : لا خوف عليهم في أهوال الآخرة.
﴿ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : لا يحزنون على ما أنفقوه.
والثاني : لا يحزنون على ما خلفوه. وقيل إن هذه الآية نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه فيما أنفقه على جيش العسرة في غزاة تبوك.
قوله تعالى :﴿ قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ ﴾ يعني قولاً حسناً بدلاً من المن والأذى ويحتمل وجهين :
أحدهما : أن يدني إن أعطى.
والثاني : يدعو إن منع.
﴿ وَمَغْفِرَةٌ ﴾ فيها أربعة تأويلات :
أحدها : يعني العفو عن أذى السائل.
والثاني : يعني بالمغفرة السلامة من المعصية.
والثالث : أنه ترك الصدقة والمنع منها، قاله ابن بحر.
والرابع : هو يستر عليه فقره ولا يفضحه به.
﴿ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذىً ﴾ يحتمل الأذى هنا وجهين :
أحدهما : أنه المنّ.
والثاني : أنه التعيير بالفقر.
ويحتمل قوله :﴿ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذىً ﴾ وجهين :
أحدهما : خير منها على العطاء.
والثاني : خير منها عند الله.
رُوي عن النبي ﷺ أنه قال :« المنّانُ بِمَا يُعْطِي لاَ يُكَلِّمُهُ اللهُ يَوْمَ القَيَامَةِ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيهِ وَلاَ يُزَكِّيهِ وَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ
»
. قوله تعالى :﴿ يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى ﴾ يريد إبطال الفضل دون الثواب.
ويحتمل وجهاً ثانياً : إبطال موقعها في نفس المُعْطَى.
﴿ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الأَخِرِ ﴾ القاصد بنفقته الرياء غير مُثَابٍ، لأنه لم يقصد وجه الله، فيستحق ثوابه، وخالف صاحب المَنِّ والأذى القاصِدَ وجه الله المستحق ثوابه، وإن كرر عطاءَه وأبطل فضله.
ثم قال تعالى :﴿ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ ﴾ الصفوان : جمع صفوانة، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه الحجر الأملس سُمِّيَ بذلك لصفائه.
والثاني : أنه أَلْيَنُ مِنَ الحجارة، حكاه أبان بن تغلب.
﴿ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ ﴾ وهو المطر العظيم القَطْرِ، العظيم الوَقْع.
﴿ فَتَرَكَهُ صَلْداً ﴾ الصلد من الحجارة ما صَلُبَ، ومن الأرض مَا لَمْ ينبت، تشبيهاً بالحجر الذي لا ينبت.
﴿ لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ ﴾ يعني مما أنفقوا، فعبَّر عن النفقة بالكسب، لأنهم قصدوا بها الكسب، فضرب هذا مثلاً للمُرَائِي في إبطال ثوابه، ولصاحب المَنِّ والأَذَى في إبطال فضله.


الصفحة التالية
Icon