قوله تعالى :﴿ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ : يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصطفاك ﴾ فيه قولان :
أحدهما : اصطفاها على عالمي زمانها، وهذا قول الحسن.
والثاني : أنه اصطفاها لولادة المسيح، وهو قول الزجاج.
﴿ وَطَهَّرَكِ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : طهرك من الكفر، وهو قول الحسن ومجاهد.
والثاني : طهرك من أدناس الحيض والنفاس، وهو قول الزجاج.
﴿ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَآءِ الْعَالَمِينَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : انه تأكيد للاصطفاء الأول بالتكرار. والثاني : أن الاصطفاء الأول للعبادة، والاصطفاء الثاني لولادة المسيح. قوله تعالى :﴿ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : يعني أخلصي لربك، وهو قول سعيد.
والثاني : معناه أديمي الطاعة لربك، وهو قول قتادة.
والثالث : أطيلي القيام في الصلاة، وهو قول مجاهد.
﴿ وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ وفي تقديم السجود على الركوع قولان :
أحدهما : أنه كان مقدماً في شريعتهم وإن كان مؤخراً عندنا.
والثاني : أن الواو لا توجب الترتيب، فاستوى حكم التقديم في اللفظ وتأخيره، وأصل السجود والانخفاض الشديد والخضوع، كما قال الشاعر :

فكلتاهما خَرّت وأسجّدّ رأسُها كما سَجَدتْ نصرانةٌ لم تحنف
وكذلك الركوع إلا أن السجود أكثر إنخفاضاً.
وفي قوله تعالى :﴿ وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ قولان :
أحدهما : معناه وافعلي كفعلهم.
والثاني : يعني مع الراكعين في صلاة الجماعة.
قوله تعالى :﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنبَآءِ الْغَيْبِ ﴾ يعني ما كان من البشرى بالمسيح.
﴿ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ﴾ وأصل الوحي إلقاء المعنى إلى صاحبه، والوحي إلى الرسل الإلقاء بالإنزال، وإلى النحل بالإلهام، ومن بعض إلى بعض بالإشارة، كما قال تعالى :﴿ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيٍّا ﴾. قال العجاج :
.................................. أوحى لها القرار فاستقرّت
﴿ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنهم تشاجروا عليها وتنازعوا فيها طلباً لكفالتها، فقال زكريا : أنا أحق بها لأن خالتها عندي، وقال القوم : نحن أحق بها لأنها بنت إمامنا وعالمنا، فاقترعوا عليها بإلقاء أقلامهم وهي القداح مستقبلة لجرية الماء، فاستقبلت عصا زكريا لجرية الماء مصعدة، وانحدرت أقلامهم فقرعهم زكريا، وهو معنى قوله تعالى :﴿ وَكَفَّلَهَا ﴾ وهذا قول ابن عباس، وعكرمة، والحسن، والربيع.
والقول الثاني : أنهم تدافعوا كفالتها لأن زكريا قد كان كفل بها من غير اقتراع، ثم لحقهم أزمة ضعف بها عن حمل مؤونتها، فقال للقوم : ليأخذها أحدكم فتدافعوا كفالتها وتمانعوا منها، فأقرع بينهم وبين نفسه فخرجت القرعة له، وهذا قول سعيد.


الصفحة التالية
Icon