﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً ﴾ لا اختلاف بين أهل التفسير أنه أول بيت وضع للعبادة، وإنما اختلفوا هل كان أول بيت وضع لغيرها على قولين :
أحدهما : أنه قد كانت قْبْله بيوت كثيرة، وهو قول الحسن.
والثاني : أنه لم يوضع قبله بيت، وهذا قول مجاهد، وقتادة.
وفي ﴿ بَكَّة ﴾ ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن بكة المسجد، ومكة : الحرم كله، وهذا قول ابن شهاب، وضمرة بن ربيعة.
والثاني : أن بكة هي مكة، وهو قول أبي عبيدة.
والثالث : أن بكة موضع البيت، ومكة غيره في الموضع يريد القرية، وروي ذلك عن مالك.
وفي المأخوذ منه بكة قولان :
أحدهما : أنه مأخوذ من الزحمة، يقال تَبَاّك القوم بعضهم بعضاً إذا ازدحموا، فبكة مُزْدَحَمُ الناس للطواف.
والقول الثاني : أنها سميت بكة، لأنها تَبُكُّ أعناق الجبابرة، إذ ألحدواْ فيها بظلم لم يهملواْ.
وفي قوله :﴿ مُبَارَكاً ﴾ تأويلان :
أحدهما : أن بركته ما يستحق من ثواب القصد إليه.
والثاني : أنه آمن لمن دخله حتى الوحش، فيجتمع فيه الصيد والكلب. ﴿ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ﴾ الآية في مقام إبراهيم أثر قدميه وهو حجر صلد؟ والآية في غير المقام : أمن الخائف، وهيبة البيت وامتناعه من العلو عليه، وتعجيل العقوبة لمن عتا فيه، وما كان في الجاهلية من أصحاب الفيل.
﴿ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ﴾ معناه أنه عطَّف عليه قلوب العرب في الجاهلية فكان الجاني إذا دخله أمِنَ.
وأما في الإسلام ففيه قولان :
أحدهما : أنه من النار، وهذا قول يحيى بن جعدة.
والثاني : من القتال بحظر الإيجال على داخليه، وأما الحدود فتقام على من جنى فيه.
واختلفواْ في الجاني إذ دخله في إقامة الحد عليه فيه قولان :
أحدهما : تقام عليه، وهو مذهب الشافعي.
والثاني : لا تقاوم حتى يُلجأ إلى الخروج منه، وهو مذهب أبي حنيفة.
﴿ وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً ﴾ وفي الاستطاعة ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها بالمال، وهي الزاد والراحلة، وهو قول الشافعي.
والثاني : أنها بالبدن، وهو قول مالك.
والثالث : أنها بالمال والبدن، وهو قول أبي حنيفة.
﴿ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ وفيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يعني [ من كفر ] بفرض الحج فلم يره واجباً، وهو قول ابن عباس.
والثاني : هو لا يرى حَجَّهُ براً ولا تركه مأثماً، وهو قول زيد بن أسلم. والثالث : اليهود، لأنه لما نزل قوله تعالى :﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنهُ ﴾ فقالواْ نحن مسلمون فأُمِرُوا بالحج فلم يحجوا، فأنزل الله هذه الآية.