والثالث : أن عهده ما أنزله على أهل الكتاب [ من ]، على صفة النبي ﷺ، والوصية المؤكدة باتباعه، فذلك العهد الذي نقضوه بجحودهم له بعد إعطائهم الله تعالى الميثاق من أنفسهم، ليبينه للناس ولا يكتمونه، فأخبر سبحانه، أنهم نبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً.
والرابع : أن العهد الذي أخذه عليهم حين أخرجهم من صلب آدم، الذي وصفه في قوله تعالى :﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنا ﴾ [ الأعراف : ١٧٢ ].
وفي هذه الكتابة التي في ميثاقه قولان :
أحدهما : أنها كناية ترجع إلى اسم الله وتقديره من بعد ميثاق الله.
والثاني : أنها كناية ترجع إلى العهد وتقديره من بعد ميثاق العهد.
وفيمن عَنَاهُ الله تعالى بهذا الخطاب، ثلاثة أقاويل :
أحدها : المنافقون.
والثاني : أهل الكتاب.
والثالث : جميع الكفار.
قوله تعالى :﴿ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أن الذي أمر الله تعالى به أن يوصل، هو رسوله، فقطعوه بالتكذيب والعصيان، وهو قول الحسن البصري.
والثاني : أنَّه الرحمُ والقرابةُ، وهو قول قتادة.
والثالث : أنه على العموم في كل ما أمر الله تعالى به أن يوصل.
قوله تعالىَّ :﴿ وَيُفْسِدُونَ في الأَرْضِ ﴾ وفي إفسادهم في الأرض قولان :
أحدهما : هو استدعاؤهم إلى الكفر.
والثاني : أنه إخافتهم السُّبُلَ وقطعهم الطريق.
وفي قوله :﴿ أُولئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ قولان :
أحدهما : أن الخسران هو النقصان، ومنه قول جرير :

إِنَّ سليطاً في الْخَسَارِ إِنَّهُ أَوْلاَدُ قَوْمٍ حلفوا افنه
يعني بالخَسَار، ما ينقُصُ حظوظهم وشرفهم.
والثاني : أن الخسران ها هنا الهلاك، ومعناه : أولئك هم الهالكون.
ومنهم من قال : كل ما نسبه الله تعالى من الخسران إلى غير المسلمين فإنما يعني الكفر، وما نسبه إلى المسلمين، فإنما يعني به الذنب.


الصفحة التالية
Icon