قوله تعالى :﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَآءَ كَرْهاً ﴾.
وسبب ذلك أن أهل المدينة في الجاهلية كانوا إذا مات أحدهم عن زوجة، كان ابنه وقريبه أولى بها من غيره ومنها بنفسها، فإن شاء نكحها كأبيه بالصداق الأول، وإن شاء زوجها وملك صداقها، وإن شاء عضلها عن النكاح حتى تموت فيرثها أو تَفْتَدِي منه نفسها بصداقها، إلى أَنْ تُوفِّيَ أبو قيس بن الأسلت عن زوجته كبيشة بنت معن بن عاصم فأراد ابنه أن يتزوجها فجاءت إلى النبي ﷺ فقالت يا نبي الله لا أنا ورثت زوجي، ولا أنا تُرِكْتُ فأُنْكَح، فنزلت هذه الآية.
﴿ وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه خطاب لورثة الأزواج أن [ لا ] يمنعوهن من التزويج كما ذكرنا، وهذا قول ابن عباس، والحسن، وعكرمة.
والثاني : أنه خطاب للأزواج أن [ لا ] يعضلوا نساءهم بعد الطلاق، كما كانت قريش تفعل في الجاهلية وهو قول ابن زيد.
والثالث : أنه خطاب للأزواج أن [ لا ] يحبسواْ النساء كرهاً ليفتدين نفوسهن أو يَمُتْنَ فيرثهن الزوج، وهذا قول قتادة، والشعبي، والضحاك.
والرابع : أنه خطاب للأولياء وهذا قول مجاهد.
﴿ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبِّينَةٍ ﴾ فيها ها هنا ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها الزنى، وهو قول الحسن، وأبي قلابة والسدي.
والثاني : أنها النشوز، وهو قول ابن عباس، وعائشة.
والثالث : أنها البذاء والأذى.
وقد روي عن مقسم في قراءة ابن مسعود « وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا ءَاتَيتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يُفْحِشْنَ ».
﴿ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيراً كَثِيراً ﴾ قال ابن عباس : يعني الولد الصالح.
قوله تعالى :﴿ وَإِنْ أَرَدتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيئاً ﴾ يعني أنهن قد ملكن الصداق، وليس مِلْكُهُنَّ للصداق موقوفاً على التمسك بهن، بل ذلك لهن مع إمساكهن، وفراقهن.
﴿ أَتَأْخُذُونُه بُهْتَاناً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : ظلماً بالبهتان.
والثاني : أن يبهتها أن جعل ذلك ليسترجعه منها.
وإنما منع من ذلك مع الاستبدال بهن وإن كان ممنوعاً منه وإن لم يستبدل بهن أيضاً لِئَلا يتوهم متوهم أنه يجور مع استبدال غيرها بها أن يأخذ ما دفعه إليها ليدفعه إلى من استبدل بها منه وإن كان ذلك عموماً.
قوله تعالى :﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن ( الإفضاء ) الجماع، وهو قول ابن عباس، ومجاهد، والسدي.
والثاني : أنه الخلوة، وهو قول أبي حنيفة.
﴿ وَأَخَذْنَ مِنكم مِّيثَاقاً غَلِيظاً ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :


الصفحة التالية
Icon