قوله تعالى :﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تِأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه الزنى، والقمار، والبخس، والظلم، وهو قول السدي.
والثاني : العقود الفاسدة، وهو قول ابن عباس.
والثالث : أنه نهى أن يأكل الرجل طعام قِرى وأَمَر أن يأكله شِرى ثم نسخ ذلك بقوله تعالى في سورة النور :﴿ وَلاَ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ ﴾ [ النور : ٦١ ] إلى قوله :﴿ أَوْ أَشْتَاتاً ﴾ وهو قول الحسن، وعكرمة.
﴿ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن التراضي هو أن يكون العقد ناجزاً بغير خيار، وهو قول مالك، وأبي حنيفة.
والثاني : هو أن يخير أحدهما صاحبه بَعد العقد وقبل الافتراق، وهو قول شريح، وابن سيرين، والشعبي.
وقد روى القاسم بن سليمان الحنفي عن أبيه عن ميمون بن مهران قال : قال رسول الله ﷺ :« البَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ وَالخِيَارُ بَعْدَ الصَّفْقَةِ وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلمٍ أَنْ يَغِشَّ مٌسْلِماً
»
. ﴿ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : يعني لا يقتل بعضكم بعضاً، وهذا قول عطاء، والسدي، وإنما كان كذلك لأنهم أهل دين واحد فصاروا كنفس واحدة، ومنه قوله تعالى :﴿ فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ ﴾ [ النور : ٦١ ].
والثاني : نهى أن يقتل الرجل نفسه في حال الغضب والضجر.
قوله تعالى :﴿ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً ﴾ فيما توجه إليه هذا الوعيد بقوله تعالى :﴿ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ﴾ ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه أكل المال بالباطل، وقتل النفس بغير حق.
والثاني : أنه متوجه إلى كل ما نهى عنه من أول سورة النساء.
والثالث : أنه متوجه إلى قوله تعالى :﴿ لاَ َيحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاءَ كَرْهاً ﴾ [ النساء : ١٩ ]. ﴿ عُدْوَاناً وَظُلْماً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : يعني تعدياً واستحلالاً.
والثاني : أنهما لفظتان متقاربتا المعنى فحسن الجمع بينهما مع اختلاف اللفظ تأكيداً.
﴿ إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ﴾ في الكبائر سبعة أقاويل :
أحدها : أنها كل ما نهى الله عنه من أول سورة النساء إلى رأس الثلاثين منها، وهذا قول ابن مسعود في رواية مسروق، وعلقمة، وإبراهيم.
والثاني : أن الكبائر سبع : الإشراك بالله، وقتل النفس التي حرم الله، وقذف المحصنة، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والفرار من الزحف، والتعرب بعد الهجرة، وهذا قول عليّ، وعمرو بن عبيد.
والثالث : أنها تسع : الإشراك بالله، وقذف المحصنة، وقتل النفس المؤمنة، والفرار من الزحف، والسحر، وأكل مال اليتيم، وعقوق الوالدين المسلمين، وأكل الربا، وإلحاد بالبيت الحرام، وهذا قول ابن عمر.
والرابع : أنها أربع : الإشراك بالله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من رَوْح الله، والأمن من مكر الله، وهذا قول ابن مسعود في رواية أبي الطفيل عنه.
والخامس : أنها كل ما أوعد الله عليه النار، وهذا قول سعيد بن جبير، والحسن، ومجاهد، والضحاك.
والسادس : السبعة المذكورة في المقالة الثانية وزادوا عليها الزنى، والعقوق، والسرقة، وسب أبي بكر وعمر.
والسابع : أنها كل ما لا تصح معه الأعمال، وهذا قول زيد بن أسلم.
﴿ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ﴾ يعني من الصغائر إذا اجتنبتم الكبائر، فأما مع ارتكاب الكبائر، فإنه يعاقب على الكبائر والصغائر.


الصفحة التالية
Icon