قوله تعالى :﴿... وَقَولِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنها محجوبة عن فهم الإعجاز ودلائل التصديق، كالمحجوب في غلافة، وهذا قول بعض البصريين.
والثاني : يعني أنها أوعية للعلم وهي لا تفهم احتجاجك ولا تعرف إعجازك، وهذا قول الزجاج، فيكون ذلك منهم على التأويل الأول إعراضاً، وعلى التأويل الثاني إبطالاً.
﴿ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : أنه جعل فيها علامة تدل الملائكة على كفرهم كعلامة المطبوع، وهو قول بعض البصريين.
الثاني : ذمهم بأن قلوبهم كالمطبوع عليها التي لا تفهم أبداً ولا تطيع مرشداً، وهذا قول الزجاج.
﴿ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : أن القليل منهم يؤمن بالله.
الثاني : لا يؤمنون إلا بقليل، وهو إيمانهم ببعض الأنبياء دون جميعهم.
قوله تعالى :﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ ﴾، أما قولهم :﴿ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ﴾ فهو من قول اليهود، أخبر الله به عنهم.
أما ﴿ رَسُولَ اللهِ ﴾ ففيه قولان :
أحدهما : أنه من قول اليهود بمعنى رسول الله في زعمه.
والثاني : أنه من قول الله تعالى لا على وجه الإخبار عنهم، وتقديره : الذي هو رسولي.
﴿ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنهم كانوا يعرفونه فألقى شبهه على غيره، فظنوه المسيح فقتلوه، وهذا قول الحسن، وقتادة، ومجاهد، ووهب، والسدي.
والثاني : أنهم ما كانوا يعرفونه بعينه، وإن كان مشهوراً فيهم بالذكر، فارتشى منهم يهودي ثلاثين درهماً، ودلهم على غيره مُوهِماً لهم أنه المسيح، فشُبِّهَ عليهم.
والثالث : أنهم كانوا يعرفونه، فخاف رؤساؤهم فتنة عوامِّهم، فإن الله منعهم عنه، فعمدوا إلى غيره، فقتلوه وصلبوه، ومَوَّهُوا على العامة أنه المسيح، ليزول افتتانهم به.
﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنهم اختلفوا فيه قبل قتله، فقال بعضهم : هو إله، وقال بعضهم : هو ولد، وقال بعضهم : هو ساحر، فشكوا ﴿ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاَع الظَّنِّ ﴾ الشك الذي حدث فيهم بالاختلاف.
والثاني : ما لهم بحاله من علم - هل كان رسولاً أو غير رسول؟ - إلا اتباع الظن.
﴿ وَمَا قَتَلُوهُ يَقْيناً ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : وما قتلوا ظنَّهم يقيناً كقول القائل : ما قتلته علماً، وهذا قول ابن عباس، وجويبر.
والثاني : وما قتلوا أمره يقيناً أن الرجل هو المسيح أو غيره، وهذا قول السدي.
والثالث : وما قتلوه حقاً، وهو قول الحسن.
﴿ بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه رفعه إلى موضع لا يجري عليه حكم أحد من العباد، فصار رفعه إلى حيث لا يجري عليه حكم العباد رفعاً إليه، وهذا قول بعض البصريين.