﴿ وَلاَ ءَامِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ ﴾ يعنى ولا تحلوا قاصدين البيت الحرام، يقال أممت كذا إذا قصدته، وبعضهم يقول يممته، كقول الشاعر :

إني لذاك إذا ما ساءني بلد يممت صدر بعيري غيره بلداً
﴿ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : الربح فى التجارة، وهو قول ابن عمر.
والثاني : الأجر، وهو قول مجاهد ﴿ وَرِضْوَاناً ﴾ يعني رضي الله عنهم بنسكهم.
﴿ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ ﴾ وهذا وإن خرج مخرج الأمر، فهو بعد حظر، فاقتضى إباحة الاصطياد بعد الإِحلال دون الوجوب.
﴿ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَان قَوْمٍ ﴾ في يجرمنكم تأويلان.
أحدهما : لا يحملنكم، وهو قول ابن عباس، والكسائي، وأبي العباس المبرد يقال : جرمني فلان على بغضك، أى حملني، قال الشاعر :
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
والثاني : معناه ولا يكسبنكم، يقال جرمت على أهلي، أي كسبت لهم، وهذا قول الفراء.
وفي ﴿ شَنَئَانُ قَوُمٍ ﴾ تأويلان :
أحدهما : معناه بغض قوم، وهذا قول ابن عباس.
والثاني : عداوة قوم، وهو قول قتادة.
وقال السدي : نزلت هذه الآية فى الحُطَم بن هند البكري أَتى رسول الله ﷺ، إِلاَمَ تَدعو؟ فأخبره، وقد كان النبي ﷺ قال لأصحابه :« يَدْخُلُ اليَوْمَ عَلَيكُم رَجُلٌ مِن رَّبِيعةَ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِ شَيْطَانٍ » فلما أخبره النبي ﷺ قال : أنظرني حتى أشاور، فخرج من عنده، فقال رسول الله ﷺ :« لَقَدْ دَخَلَ بِوَجْهِ كَافِرٍ، وَخَرجَ بِقَفَا غَادِرٍ » فمر بسرح من سرح المدينة، فاستقاه وانطلق وهو يرتجز ويقول :
لقد لفها الليل بسواق حطم ليس براعي إبل ولا غنم
ولا بجزار على ظهر وضم باتوا نياماً وابن هند لم ينم
بات يقاسيها غلام كالزلم خدلج الساقين ممسوح القدم
ثم أقبل من عام قابل حاجاً قد قلد الهدي، فاستأذن أصحاب النبي ﷺ أن يقتلوه، فنزلت هذه الآية حتى بلغ ﴿ ءَآمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ﴾ فقال له ناس من أصحابه : يا رسول الله خلّ بيننا وبينه، فإنه صاحبنا، فقال :« إنه قد قلد ».
ثم اختلفوا فيما نسخ من هذه الآية بعد إجماعهم على أن منها منسوخاً على ثلاثة أقاويل :
أحدهما : ان جميعها منسوخ، وهذا قول الشعبي، قال : لم ينسخ من المائدة إلا هذه الآية.
والثاني : أن الذى نسخ منها ﴿ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ ءَآمِّينَ الْبَيتَ الْحَرَامَ ﴾ وهذا قول ابن عباس، وقتادة.
والثالث : أن الذي نسخ منها ما كانت الجاهلية تتقلده من لحاء الشجر، وهذا قول مجاهد.


الصفحة التالية
Icon