والثاني : أن يقدروا على إبطاله ويقدحوا فى صحته.
قال مجاهد : كان ذلك يوم عرفة حين حج النبي ﷺ حجة الوداع، بعد دخول العرب الإِسلام حتى لم ير النبي ﷺ مشركاً.
﴿ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ﴾ أى لا تخشوهم أن يظهروا عليكم، واخشونِ، أن تخالفوا أمري.
﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه يوم عرفة فى حجة الوداع ولم يعش [ الرسول ﷺ ] بعد ذلك إلاَّ إحدى وثمانين ليلة، وهذا قول ابن عباس : والسدي.
والثاني : أنه زمان النبي ﷺ كله إلى أنْ نَزَل ذلك عليه يوم عرفة، وهذا قول الحسن.
وفي إكمال الدين قولان :
أحدهما : يعني أكملت فرائضي وحدودي وحلالي وحرامي، ولم ينزل على النبي ﷺ من الفرائض من تحليل ولا تحريم، وهذا قول ابن عباس والسدي.
والثاني : يعني اليوم أكملت لكم حجتكم، أن تحجوا البيت الحرام، ولا يحج معكم مشرك، وهذا قول قتادة، وسعيد ابن جبير.
﴿ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ﴾ بإكمال دينكم.
﴿ وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ﴾ أي رضيت لكم الاستسلام لأمري ديناً، اي طاعة.
روى قبيصة قال : قال كعب لو أن غير هذه الأمة نزلت عليهم هذه الآية، لعظموا اليوم، الذى أُنْزِلت فيه عليهم، فاتخذوه عيداً يجتمعون فيه، فقال عمر : قد علمت اليوم الذى أُنزلت فيه، والمكان الذي نزلت فيه، نزلت في يوم الجمعة ويوم عرفة، وكلاهما - بحمد الله - لنا عيد.
﴿ فَمَنِ آضْطُرَّ ﴾ أي أصابه ضر الجوع.
﴿ فِي مَخْمَصَةٍ ﴾ أي في مجاعة، وهي مَفْعَلة مثل مجهلة ومبخلة ومجبنة ومخزية من خمص البطن، وهو اصطباره من الجوع، قال الأعشى :

تبيتون في المشتى ملاء بطونكم وجاراتكم غرقى يبتن خماصا
﴿ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثمٍ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : غير متعمد لإِثم، وهذا قول ابن عباس، والحسن، وقتادة، ومجاهد.
والثاني : غير مائل إلى إثم، وأصله من جنف القوم إذا مالوا، وكل أعوج عند العرب أجنف.
وقد روى الأوزاعي عن حسان عن عطية عن أبي واقد الليثي قال : قلنا يا رسول الله إنا بأرض يصيبنا فيها مخمصة، فما يصلح لنا من الميتة؟ قال :« إِذَا لَمْ تَصْطَبِحُوا أَوْ تَغْتَبِقُوا أَوْ تَجْنِفُوا بها، فَشَأْنُكُم بِّهَا
»
واختلف فى وقت نزول هذه السورة على ثلاثة أقاويل.
أحدها : أنها نزلت في يوم عرفة، روى شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت : نزلت سورة المائدة جميعاً وأنا آخذة بزمان ناقة رسول الله ﷺ العضباء وهو واقف بعرفة فكادت من ثقلها أن تدق عضد الناقة.
والثاني : أنها نزلت فى مسيره ﷺ في حجة الوداع، وهو راكب، فبركت به راحلته من ثقلها.
والثالث : أنها نزلت يوم الاثنين بالمدينة، وهو قول ابن عباس، وقد حُكِيَ عنه القول الأول.


الصفحة التالية
Icon