قوله تعالى :﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَومِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ ﴾ فيهم قولان.
أحدهما : أنهم الأنبياء الذين جاءوا بعد موسى.
والثاني : أنهم السبعون الذين اختارهم موسى.
﴿ وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً ﴾ فيه خمسة أقاويل :
أحدها : لأنهم مَلَكوا أنفسهم بأن خلصهم من استعباد القبط لهم، وهذا قول الحسن.
والثاني : لأن كل واحد ملك نفسه وأهله وماله، وهذا قول السدي.
والثالث : لأنهم كانوا أول من ملك الخدم من بني آدم، وهو قول قتادة.
والرابع : أنهم جُعِلُوا ملوكاً بالمَنِّ والسَّلْوَى والحَجَر، وهذا قول ابن عباس.
والخامس : أن كل من ملك داراً وزوجة وخادماً، وفهو ملك من سائر الناس، وهذا قول عبد الله بن عمرو بن العاص، والحسن، وزيد بن أسلم.
وقد روى زيد بن أسلم قال : قال رسول الله ﷺ :« من كان له بيت [ يأوي إليه وزوجة ] وخادم، فهو ملك
»
. ﴿ وءَاتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّنَ الْعَالَمِينَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : المن والسلوى والغمام والحجر، وهو قول مجاهد.
الثاني : كثرة الأنبياء فيهم والآيات التي جاءتهم. قوله تعالى :﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُواْ الأرْضَ الْمُقدَّسَةَ الَّتِي كتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ فيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أرض بيت المقدس، وهذا قول ابن عباس، والسدي.
والثاني : دمشق وفلسطين وبعض الأردن، وهذا قول الزجاج.
والثالث : هي الشام، وهذا قول قتادة، ومعنى المقدسة : المطهرة.
وقوله :﴿ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ وإن قال :﴿ إِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيهِم ﴾ لأنها كانت هبة من الله تعالى لهم ثم حرَّمها عليهم بعد معصيتهم.
﴿ وَلاَ تَرْتَدُّواْ عَلَى أَدْبَارِكُمْ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : لا ترجعوا عن طاعة الله إلى معصيته.
والثاني : لا ترجعوا عن الارض التي أمرتم بدخولها.
قوله تعالى :﴿ قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ ﴾ والجبار : هو الذي يَجْبُر الناس على ما يريد إكراههم عليه، ومنه جَبْرُ العظم، لأنه كالإكراه على الصلاح، ويقال [ للأعواد التي ] تحمله جُبَارة، إذا قامت اليد طولاً، لأنها امتنعت كامتناع الجبار من الناس.
وقيل بلغ من جبروت هؤلاء القوم، أن واحداً منهم، أخذ الاثني عشر نقيباً، الذين بعثهم موسى، ليخبروه بخربهم، فحملهم مع فاكهة حملها من بستانه، وجاء فنشرهم بين يدي الملك، وقال : هؤلاء يريدون أن يقاتلونا، فقال الملك : ارجعوا إلى صاحبكم فأخبروه خبرنا.
قوله تعالى :﴿ قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ ﴾ فيه قولان :
أحدهم : يخافون الله، وهو قول قتادة.
الثاني : يخافون الجبارين، ولم يمنعهم خوفهم من قول الحق.
﴿ أَنْعََمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : بالتوفيق للطاعة.
والثاني : بالإِسلام، وهو قول الحسن.
وفي هذين الرجلين قولان :
أحدهما : أنهما من النقباء يوشع بن نون، وكالب بن يوقنا، وهذا قول ابن عابس، ومجاهد، وقتادة، والسدي.
والثاني : أنهما رجلان، كانا في مدينة الجبارين أنعم الله عليهما بالإِسلام، وهذا مروي عن ابن عباس.
﴿ ادْخُلُواْ عَلَيْهِمْ الْبَابَ فإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : إنما قالوه لعلمهم بأن الله كتبها لهم.
والثاني : لعلمهم بأن الله ينصرهم على أعادئه، ولم يمنعهم خوفهم من القول الحق، وقد قال النبي ﷺ :« لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ مَخَافَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ الحَقَّ إِذَا رَآهُ أَوْ عَلِمَهُ فَإِنَّهُ لاَ يُبْعِدُ مِنْ رِزْقٍ وَلاَ يُدْنِي مِنْ أَجَلٍ
»
.


الصفحة التالية
Icon