أحدهما : أنها على التخيير وأن الإِمام فيهم بالخيار بين أن يقتل أو يصلب أو يقطع أو ينفي، وهذا قول سعيد بن المسيب، ومجاهد، وعطاء، وإبراهيم.
والثاني : أنها مرتبة تختلف على قدر اختلاف الأفعال : أن يقتلوا إذا قتلوا، أو يصلبوا إذا قتلوا وأخذوا المال، أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إذا أخذوا المال ولم يقتلوا، وهذا قول ابن عباس، والحسن، وقتادة، والسدي.
وروى ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عبد الملك بن مروان كتب إلى أنس بن مالك يسأله عن هذه الآية فكتب إليه أنس يخبره أن هذه الآية نزلت في أولئك العرنيين وهم من بجيلة، فسأل رسول الله ﷺ جبريل عن القصاص فيمن حارب، فقال : من سرق وأخاف السبيل فاقطع يده لسرقته ورجله لإِخافته، ومن قتل فاقتله، ومن قتل وأخاف السبيل واستحل افرج فاصلبه.
أما قوله تعالى :﴿ أَوْ يُنفَوا مِنَ الأَرْضِ ﴾ فقد اختلف أهل التأويل فيه على أربعة أوجه :
أحدها : أنه نفيهم وإبعادهم من بلاد الإِسلام إلى بلاد الشرك، وهو قول أنس : والحسن، وقتادة، السدي، والزهري، والضحاك، والربيع.
والثاني : أنه إخراجهم من مدينة إلى أخرى، وهو قول عمر بن عبد العزيز، وسعيد بن جبير.
والثالث : أنه الحبس، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.
والرابع : هو أن يطلبوا لتقام الحدود عليهم فيُبْعَدُوا، وهذا قول ابن عباس، والشافعي، والليث بن سعد.
قوله تعالى :﴿ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ﴾ فيه ستة أقاويل، أحدها : إلا الذين تابوا من شركهم وسعيهم فى الأرض فساداً بإسلامهم، فأما المسلمون فلا يتسقط التوبة عنهم حداً وجب عليهم، وهذا قول ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة.
الثاني : إلا الذين تابوا من المسلمين المحاربين بأمان من الإِمام قبل القدرة عليهم، فأما التائب بغير أمان فلا، وهذا قول عليّ عليه السلام، والشعبي، وروى الشعبي أن خارجة بن زيد خرج محارباً فأخاف السبيل، وسفك الدماء، وأخذ الأموال، وجاء تائباً من قبل القدرة عليه، فقبل عليّ توبته وجعل له أماناً منشوراً على ما كان أصاب من دم ومال.
والثالث : إلا الذين تابوا بعد أن لحقوا بدار الحرب وإن كان مسلماً ثم جاء تائباً قبل القدرة عليه، وهذا قول عروة بن الزبير.
والرابع : إن كان في دار الإٍسلام في منعة وله فئة يلجأ إليها وتاب قبل القدرة عليه قبلت توبته، وإن لم يكن له فئة يمتنع بها [ وتاب ] لم [ تسقط ] عنه توبته شيئاً من عقوبته، وهذا قول ابن عمر، وربيعة، والحكم بن عيينة.
والخامس : أن توبته قبل القدرة عليه تضع عنه حدود الله تعالى دون حقوق الآدميين، وهذا قول الشافعي.
والسادس : أن توبته قبل القدرة عليه تضع عنه سائر الحقوق والحدود إلا الدماء، وهذا مذهب مالك.


الصفحة التالية
Icon