قوله تعالى :﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ ﴾ لأن مشركي قريش لما أنكروا نزول القرآن أخبر الله أنه لو أنزله عليهم من السماء لأنكروه وكفروا به لغلبة الفساد عليهم، فقال :﴿ ولَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ ﴾ واسم القرطاس لا ينطلق إلا على ما فيه كتابة، فإن لم يكن فيه كتابة قيل طرس ولم يقل قرطاس. قال زهير بن أبي سلمى :
بها أخاديد من آثار ساكنها | كما تردد في قرطاسه القلم |
ويحتمل بلمس اليد دون رؤية العين ثلاثة أوجه :
أحدها : أن نزوله مع الملائكة وهم لا يرون بالأبصار، فلذلك عَبَّر عنه باللمس دون الرؤية.
والثاني : لأن الملموس أقرب من المرئي.
والثالث : لأن السحر يتخيل في المرئيات، ولا يتخيل في الملموسات.
﴿ لَقَالَ الََّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾ تكذيباً لليقين بالعناد، والمبين : ما دل على بيان بنفسه، والبيِّن : ما دل على بيانه، فكان المبين أقوى من البيِّن.
قوله تعالى :﴿ وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ﴾ أي ملك يشهد بتصديقه ﴿ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ الأَمْرُ ﴾ أي لو أنزلنا ملكاً فلم يؤمنوا لقضي الأمر وفيه تأويلان :
أحدهما : لقضي عليهم بعذاب الاستئصال، قاله الحسن، وقتادة، لأن الأمم السالفة كانوا إذا اقترحوا على أنبيائهم الآيات فأجابهم الله تعالى إلى الإِظهار فلم يؤمنوا استأصلهم بالعذاب.
والثاني : أن معنى لقضي الأمر لقامت الساعة، قاله ابن عباس.
﴿ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ ﴾ أي لا يُمْهَلُون ولا يُؤَخَّرون، يعني عن عذاب الاستئصال. على التأويل الأول، وعن قيام الساعة على التأويل الثاني.
﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً ﴾ يعني ولو جعلنا معه ملكاً يدل على صدقه لجعلناه في صورة رجل.
وفي وجوب جعله رجلاً وجهان :
أحدهما : لأن الملائكة أجسامهم رقيقة لا تُرَى، فاقتضى أن يُجْعَل رجلاً لكثافة جسمه حتى يرى.
والثاني : أنهم لا يستطيعون أن يروا الملائكة على صورهم، وإذا كان في صورة الرجل لم يعلموا ملك هو أو غير ملك.
﴿ وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَّا يَلْبِسُونَ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : معناه ولخلطنا عليهم ما يخلطون، قاله الكلبي.
والثاني : لشبهنا عليهم ما يشبهون على أنفسهم، قال الزجاج : كما يشبهون على ضعفائهم واللبس في كلامهم هو الشك ومنه قول الخنساء :
أصدق مقالته واحذر عداوته | والبس عليه بشك مثل ما لبسا |
قوله تعالى :﴿... كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾ أي أوجبها ربكم على نفسه، وفيها أربعة أوجه :
أحدها : أنها تعريض خلقه لما أمرهم به من عبادته التي تفضي بهم إلى جنته.
والثاني : ما أراهم من الآيات الدالة على وجوب طاعته.
والثالث : إمهالهم عن معالجة العذاب واستئصالهم بالانتقام.
والرابع : قبوله توبة العاصي والعفو عن عقوبته.
﴿ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ وهذا توعد منه بالعبث والجزا أَخَرجَه مَخْرَج القسم تحقيقاً للوعد والوعيد، ثم أكده بقوله :﴿ لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾.