أحدهما : أنهم كانوا يجادلونه بما ذكره الله تعالى من قوله عنهم :﴿ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ﴾، قال الحسن.
والثاني : هو قولهم : تأكلون ما قتلتم ولا تاكلون ما قتل ربكم، قاله ابن عباس.
ومعنى ﴿ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ﴾ أي أحاديث الأولين التي كانوا يسطرونها في كتبهم، وقيل : إن جادلهم بهذا النضر بن الحارث.
قوله تعالى :﴿ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأوْنَ عَنْهُ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : يَنْهَون عن اتباع محمد ﷺ، ويتباعدون عنه فراراً منه، قاله محمد ابن الحنفية، والحسن، والسدي.
والثاني : يَنْهَون عن القرآن أن يُعْمَل بما فيه، ويتباعدون من سماعه كيلا يسبق إلى قلوبهم العلم بصحته، قاله مجاهد، وقتادة.
والثالث : ينهون عن أذى محمد ﷺ، ويتباعدون عن اتباعه، قال ابن عباس : نزلت في أبي طالب كان ينهى المشركين عن أذى محمد ﷺ، ويتباعد عما جاء به، فلا يؤمن به مع وضوح صدقه في نفسه.
واستشهد مقاتل بما دل على ذلك عن شعر أبي طالب بقوله :

ودعوتني وزَعَمْتَ أنَّكَ ناصِحِي فلقَدْ صَدَقْت وكُنْتَ ثَمَّ أميناً
وعرضتَ ديناً قد علِمْتُ بأنه من خيْرِ أَدْيانِ البَرِيةِ دِيناً
لولا الذَّمَامَةُ أو أُحَاذِرُ سُبَّةً لَوَجَدْتَني سَمْحاً بذالك مُبِيناً
فاذهب لأمرك ما عليك غَضَاضَةٌ وابشِرْ بذاك وقَرَّ مِنَكَ عيوناً
والله لن يَصِلُوا إيك بِجَمْعِهم حتى أُوسَّدَ في التُّرابِ دَفِيناً
فنزلت هذه الآية، فقرأها عليه النبي ﷺ، فقال له أبو طالب : أما أن أدخل في دينك فلا، قال ابن عباس : لسابق القضاء في اللوح المحفوظ، وبه قال عطاء، والقاسم.


الصفحة التالية
Icon