قوله تعالى :﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ﴾ يعني من التكذيب. لك، والكفر بي.
﴿ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكّذَّبونَكَ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : فإنهم لا يكذبونك بحجة، وإنما هو تكذيب بهت وعناد، فلا يحزنك، فإنه لا يضرك، قاله أبو صالح، وقتادة، والسدي.
والثاني : فإنهم لا يكذبون قولك لعلمهم بصدقك، ولكن يكذبون ما جئت به، قاله ناجية بن كعب.
والثالث : لا يكذبونك في السر لعلمهم بصدقك، ولكنهم يكذبونك في العلانية لعداوتهم لك، قاله الكلبي.
والرابع : معناه أن تكذيبهم لقولك ليس بتكذيب لك، لأنك رسول مُبَلّغ، وإنما هو تكذيب لآياتي الدالة على صدقك والموجبة لقبول قولك، وقد بين ذلك بقوله تعالى :﴿ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بئَأَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ أي يكذبون.
وقرأ نافع والكسائي :﴿ لاَ يُكَذِّبُونَكَ ﴾ وهي قراءة عن النبي ﷺ وتأويلها : لا يجدونك كاذباً.
قوله تعالى :﴿... وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ﴾ يحتمل أربعة تأويلات :
أحدها : معناه لا مُبطِل لحُجَّتِهِ ولا دافع لبرهانه.
والثاني : معناه لا رَادَّ لأمره فيما قضاه من نصر أوليائه، وأوجبه من هلاك أعدائه.
والثالث : معناه لا تكذيب لخبره فيما حكاه من نصر مَنْ نُصِرَ وهلاك مَنْ أُهْلِكَ.
والرابع : معناه لا يشتبه ما تخرّصه الكاذبون عليه بما بلَّغه الأنبياء عنه.
﴿ وَلَقْدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِىْ الْمُرْسَلِينَ ﴾ فيما صبروا عليه من الأذى، وقُوبلوا عليه من النصر.
قوله تعالى :﴿ وَإِن كَانَ كَبُرَ إِعْرَاضُهُمْ ﴾ فيه قولان :
أحدهما :[ إعراضهم ] عن سماع القرآن.
والثاني : عن استماعك.
﴿ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ ﴾ أي سرباً، وهو المسلك فيها، مأخوذ من نافقاء اليربوع.
﴿ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَآءِ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : مصعداً، قاله السدي.
والثاني : دَرَجاً، قاله قتادة.
والثالث : سبباً، قاله الكلبي وقد تضمن ذلك قول كعب بن زهير.

ولا لَكُمَا مَنْجىً عَلَى الأرْضِ فَابْغِيَا به نَفَقاً أوْ في السَّمَوَات سُلَّماً
﴿ فَتَأْتِيَهُم بئَايَةٍ ﴾ يعني أفضل من آيتك ولن تستطيع ذلك، لم يؤمنوا لك، فلا يحزنك تكذيبهم وكفرهم، قال الفراء : وفي الكلام مضمر محذوف وتقديره : فتأتيهم بآية فافعل.
﴿ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى ﴾ يعني بالإلجاء والاضطرار.
قال ابن عباس : كل موضع قال الله فيه ﴿ ولو شاءَ اللهُ ﴾ فإنه لم يشأ.
﴿ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الجَاهِلِينَ ﴾ يعني تجزع في مواطن الصبر، فتصير بالأسف والتحسر مقارباً لأحوال الجاهلين.
قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ﴾ الاستجابة هي القبول، والفرق بينها وبين الجواب : أن الجواب قد يكون قبولاً وغير قبول.
وقوله :﴿ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : يعني الذين يعقلون، قاله الكلبي.
والثاني : الذين يسمعون طلباً للحق، لأن الاستجابة قد تكون من الذين يسمعون طلباً للحق، فأما من لا يسمع، أو يسمع لكن لا بقصد طلب الحق، فلا يكون منه استجابة.
﴿ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن المراد بالموتى هنا الكفار، قاله الحسن، وقتادة ومجاهد.
ويكون معنى الكلام : إنما يستجيب المؤمنون الذين يسمعون، والكفار لا يسمعون إلا عند معاينة الحق اضطراراً حين لا ينفعهم حتى يبعثم الله كفاراً ثم يحشرون كفاراً.
والقول الثاني : أنهم الموتى الذين فقدوا الحياة، وهو مثل ضربه الله تعالى لنبيه ﷺ، ويكون معنى الكلام : كما أن الموتى لا يستجيبون حتى يبعثهم الله فكذلك الذين لا يسمعون.


الصفحة التالية
Icon