قوله تعالى :﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَواتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾ وفي ترك تعجيل خلقها في أقل الزمان مع قدرته على ذلك أربعة أوجه :
أحدها : أن إنشاءها شيئاً بعد شيء وحالاً بعد حال أبلغ في الحكمة وأدل على صحة التدبير ليتوالى مع الأوقات بما ينشئه من المخلوقات تكرار المعلوم بأنه عالم قادر يصرف الأمور على اختياره ويجريها على مشيئته.
والثاني : أن ذلك لاعتبار الملائكة، خلق شيئاً بعد شيء.
والثالث : أن ذلك ترتب على الأيام الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة وهي ستة أيام فأخرج الخلق فيها، قاله مجاهد.
والرابع : ليعلمنا بذلك، الحساب كله من ستة ومنه يتفرع سائر العدد قاله ابن بحر.
﴿ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : معناه استوى أمره على العرش، قاله الحسن.
والثاني : استولى على العرش، كما قال الشاعر :

قد اسْتَوَى بِشْرٌ على العِرَاقِ مِن غَيْرِ سَيْفٍ ودم مُهْرَاقٍ
وفي ﴿ الْعَرْشِ ﴾ ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه المُلْك كني عنه بالعرش والسرير كعادة ملوك الأرض في الجلوس على الأسرة، حكاه ابن بحر.
والثاني : أنه السموات كلها لأنها سقف، وكل سقف عند العرب هو عرش، قال الله تعالى :﴿ خَاوِيَةً عَلَى عُرُوشِهَا ﴾ [ الكهف : ٤٢ ] [ الحج : ٤٥ ] أي على سقوفها.
والثالث : أنه موضع في السماء في أعلاها وأشرفها، محجوب عن ملائكة السماء.
﴿ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ ﴾ أي يغشي ظلمة الليل ضوء النهار.
﴿ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً ﴾ لأن سرعة تعاقب الليل والنهار تجعل كل واحد منهما كالطالب لصاحبه.
﴿ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : مذللات بقدرته.
والثاني : جاريات بحكمه.
﴿ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أنه مالك الخلق وتدبيرهم.
والثاني : إليه إعادتهم وعليه مجازاتهم.


الصفحة التالية
Icon