وذكر عن الربيع أن نزولهما كان في زمان ( إدريس ).
وأما السحر فقد اختلف الناس في معناه :
فقال قوم : يقدر الساحر أن يقلب الأعيان بسحره، فيحول الإنسان حماراً، وينشئ أعياناً وأجساماً.
وقال آخرون : السحر خِدَع وَمَعَانٍ يفعلها الساحر، فيخيل إليه أنه بخلاف ما هو، كالذي يرى السراب من بعيد، فيخيل إليه أنه ماء، وكواكب السفينة السائرة سيراً حثيثاً، يخيل إليه أن ما عاين من الأشجار والجبال سائرة معه.
وقد روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : سَحَرَ رسولَ الله ﷺ يهوديٌ من يهود بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم، حتى كان رسول الله ﷺ يُخيّل إليه أنه يفعل الشيءَ وما فعله.
قالوا : ولو كان في وسع الساحر إنشاء الأجسام وقلب الأعيان عما هي به من الهيئات، لم يكن بين الباطل والحق فصل، ولجاز أن يكون جميع الأجسام مما سحرته السحرة، فقلبت أعيانها، وقد وصف الله تعالى سحرة فرعون ﴿... فَإِذَا حِبَالُهُمُ وَعِصِيُّهُمُ يُخَيَّلُ إِليْهِ مِن سِحْرِهِم أَنَّهَا تَسْعَى ﴾.
وقال آخرون : وهو قول الشافعي إن الساحر قد يوسوس بسحره فيمرض وربما قتل، لأن التخيل بدء الوسوسة، والوسوسة بدء المرض، والمرض بدء التلف.
فأما أرض ﴿ ببابل ﴾ ففيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها الكوفة وسوادها، وسميت بذلك حيث تبلبلت الألسن بها وهذا قول ابن مسعود.
والثاني : أنها من نصيبين إلى رأس عين، وهذا قول قتادة.
والثالث : أنها جبل نهاوند. وهي [ فطر ] من الأرض.
﴿ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ : إِنَّمَا نَحنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُر ﴾ بما تتعلمه من سحرنا.
﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ﴾ في المراد بقوله « منهما » ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني من هاروت وماروت.
والثاني : من السحر والكفر.
والثالث : من الشيطان والملكين، فيتعلمون من الشياطين السحر، ومن الملكين ما يفرقون به بين المرء وزوجه.
﴿ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ ﴾ يعني السحر.
﴿ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : يعني بأمر الله.
والثاني : بعلم الله.
﴿ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ ﴾ يعني ما يضرهم في الآخرة، ولا ينفعهم في الدنيا.
﴿ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ ﴾ يعني السحر الذي يفرقون به بين المرء وزوجه.
﴿ مَا لهُ فِي الأَخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أن الخلاق النصيب، وهو قول مجاهد والسدي.
والثاني : أن الخلاق الجهة، وهو قول قتادة.
والثالث : أن الخلاق الدين، وهو قول الحسن.
قوله تعالى :﴿ وَلَبِئْسَ مَا شَرَواْ بِهِ أَنفُسَهُم لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : يعني ولبئس ما باعوا به أنفسهم من السحر والكفر في تعليمه وفعله.
والثاني : من إضافتهم السحر إلى سليمان، وتحريضهم على الكذب.


الصفحة التالية
Icon