قوله تعالى :﴿ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إبْرَاهِيمَ إلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أن ذلك سفّه نفسه، أي فَعَلَ بها من السفه ما صار به سفيهاً، وهذا قول الأخفش.
والثاني : أنها بمعنى سفه في نفسه، فحذف حرف الجر كما حذف من قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ ﴾ أي عَلَى عقدة النكاح، وهذا قول الزجَّاج.
والثالث : أنها بمعنى أهلك نفسه وأوْبَقَهَا، وهذا قول أبي عبيدة.
قال المبرِّد وثعلب : سَفِه بكسر الفاء يتعدى، وسفُه بضم الفاء لا يتعدى.
﴿ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ﴾ أي اخترناه، ولفظه مشتق من الصفوة، فيكون المعنى : اخترناه في الدنيا للرسالة.
﴿ وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ لنفسه في إنجائها من الهلكة.
قوله تعالى :﴿ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ ﴾ الهاء كناية ترجع إلى الملة لتَقَدُّم قولهِ :﴿ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهيمَ ﴾ ووصّى أبلغ من أوصى، لأن أوصى يجوز أن يكون قاله مرة واحدة، وَوَصَّى لا يكون إلا مراراً. ﴿ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ ﴾ والمعنى أن إبراهيم وَصَّى، ثم وَصَّى بعده يعقوبُ بَنِيهِ، فقالا جميعاً :﴿ يَا بَنِيَّ إنَّ الله اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ ﴾ يعني اختار لكم الدين، أي الإسلام، ﴿ فَلاَ تَمُوتُنَّ إلاَّ وأَنتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ فإن قيل : كيف يُنْهَونَ عن الموت وليس من فعلهم، وإنما يُمَاتُون؟ قيل : هذا في سعة اللغة مفهوم المعنى، لأن النهي تَوَجَّهَ إلى مفارقة الإسلام، لا إلى الموت، ومعناه : الزموا الإسلام ولا تفارقوه إلى الموت.


الصفحة التالية
Icon