قوله تعالى :﴿ ودخَلَ معه السجن فتيان ﴾ قال ابن عباس :
كان أحدهما خازن الملك على طعامه، وكان الآخر ساقي الملك على شرابه، وكان الملك وهو الملك الأكبر الوليد بن الرّيان قد اتهمهما بسمّه فحبسهما، فحكى مجاهد أنهما قالا ليوسف لما حُبسا معه : والله لقد أحببناك حين رأيناك، فقال يوسف : أنشدكما بالله أن أحببتماني فما أحبّني أحد إلا دخل عليّ من حبه بلاء، لقد أحبتني عمتي فدخل عليّ من حبها بلاء، ثم أحبني أبي فدخل عليّ من حبه بلاء، ثم أحبتني زوجة صاحبي العزيز فدخل عليّ من حبها بلاء، لا أريد أن يحبني إلا ربي.
وقال ﴿ فتيان ﴾ لأنهما كان عبدين، والعبد يسمى فتى صغيراً كان أم كبيراً.
﴿ قال أحدهما إني أراني أعصر خمراً وقال الآخر إني أراني أحملُ فوق رأسي خُبزاً تأكل الطير منه ﴾ وسبب قولهما ذلك ما حكاه ابن جرير الطبري أنهما سألاه عن علمه فقال : إني أعبر الرؤيا، فسألاه عن رؤياهما وفيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها كانت رؤيا صدق رأياها وسألاه عنها قال مجاهد وابن إسحاق : وكذلك صدق تأويلها. روى محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال « أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً
». الثاني : أنها كانت رؤيا كذب سألاه عنها تجربة، فلما أجابهما قالا : إنما كنا نلعب فقال ﴿ قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ﴾ وهذا معنى قول ابن مسعود والسدي.
الثالث : أن المصلوب منهما كان كاذباً، والآخر صادقاً، قاله أبو مجلز.
وقوله ﴿ إني أراني أعصر خمراً ﴾ أي عنباً. وفي تسميته خمراً وجهان :
أحدهما : لأن عصيره يصير خمراً فعبر عنه بما يؤول إليه.
الثاني : أن أهل عُمان يسمون العنب خمراً، قال الضحاك. وقرأ ابن مسعود : إني أراني أعصر عنباً.
﴿ نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين ﴾ فيه ستة أقاويل :
أحدها : أنهم وصفوه بذلك لأنه كان يعود مريضهم ويعزي حزينهم ويوسع على من ضاق مكانه منهم، قاله الضحاك.
الثاني : معناه لأنه كان يأمرهم بالصبر ويعدهم بالثواب والأجر.
الثالث : إنا نراك ممن أحسن العلم. حكاه ابن جرير الطبري.
الرابع : أنه كان لا يرد عذر معتذر.
الخامس : أنه كان يقضي حق غيره ولا يقضي حق نفسه.
السادس : إنا نراك من المحسنين إن أنبأتنا بتأويل رؤيانا هذه، قاله ابن إسحاق.