قوله تعالى :﴿ وقال الملك إني أرى سبع بقراتٍ سمان... ﴾ الآية. وهذه الرؤيا رآها الملك الأكبر الوليد بن الريان وفيها لطف من وجهين :
أحدهما : أنها كانت سبباً لخلاص يوسف من سجنه.
الثاني : أنها كانت نذيراً بجدب أخذوا أهبته وأعدوا له عدته.
﴿ يا أيها الملأ افتوني في رؤياي ﴾ وذلك أن الملك لما لم يعلم تأويل رؤياه نادى بها في قومه ليسمع بها من يكون عنده عِلْمٌ بتأويلها فيعبرها له.
قوله تعالى :﴿ قالوا أضغاث أحلام ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : يعني أخلاط أحلام، قاله معمر وقتادة.
الثاني : ألوان أحلام، قاله الحسن.
الثالث : أهاويل أحلام قاله مجاهد.
الرابع : أكاذيب أحلام، قاله الضحاك.
وفيه خامس : شبهة أحلام، قاله ابن عباس.
قال أبو عبيدة : الأضغاث ما لا تأويل له من الرؤيا، ومنه قول الشاعر :
كضغث حلم عُزَّ منه حالمُه.... وروى هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال « إذا تقارب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب
». وفي تقارب الزمان وجهان :

أحدهما : أنه استواء الليل والنهار لأنه وقت اعتدال تنفتق فيه الأنوار وتطلع فيه الثمار فكان أصدق الزمان في تعبير الرؤيا.
الثاني : أنه آخر الزمان وعند انتهاء أمده.
والأضغاث جمع واحده ضغث والضغث الحزمة من الحشيش المجموع بعضه إلى بعض وقيل هو ملء الكف، ومنه قوله تعالى :﴿ خذ بيدك ضغثاً ﴾ وقال ابن مقبل.
خَوْذٌ كَأَنَّ فِرَاشَهَا وُضِعَتْ بِهِ... أَضْغَاثُ رَيْحَانٍ غَدَاةَ شَمَالِ
والأحلام جمع حُلم، والحُلم الرؤيا في النوم، وأصله الأناة، ومنه الحلم ضد الطيش فقيل لما يرى في النوم حلم لأنها حال أناة وسكون.
﴿ وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين ﴾ فدل ذلك على أنه ليس التأويل الأول مما تؤؤل به الرؤيا هو الحق المحكوم به لأن يوسف عرفهم تأويلها بالحق، وإنما قال يوسف للغلامين ﴿ قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ﴾ لأنه منه نذير نبوة. ويجوز أن يكون الله تعالى صرف هؤلاء عن تفسير هذه الرؤيا لطفاً بيوسف ليتذكر الذي نجا منهما حاله فتدعوهم الحاجة إليه فتكون سبباً لخلاصه.
قوله تعالى :﴿ وقال الذي نجا منهما وادّكر بَعْدَ أمة ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يعني بعد حين، قاله ابن عباس.
الثاني : بعد نسيان، قاله عكرمة.
الثالث : بعد أمة من الناس، قاله الحسن.
قال الحسن : ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان في العبودية والسجن والملك ثمانين سنة وجمع له شمله فعاش بعد ذلك ثلاثاً وعشرين سنة.
وقرىء ﴿ وادّكر بعد أمَةٍ ﴾ بفتح الألف وتخفيف الميم، والأمه : بالتخفيف النسيان.
﴿ أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون ﴾ أي أخبركم بمن عنده علم بتأويله ثم لم يذكره لهم.


الصفحة التالية
Icon