الثاني : أنه سأله خزائن الطعام، قاله شيبة بن نعامة الضبي.
وفي هذا دليل على جواز أن يخطب الإنسان عملاً يكون له أهلاً وهو بحقوقه وشروطه قائم.
فيما حكى ابن سيرين عن أبي هريرة قال : نزعني عمر بن الخطاب عن عمل البحرين ثم دعاني إليها فأبيت، فقال : لم؟ وقد سأل يوسف العمل.
فإن كان المولي ظالماً فقد اختلف الناس في جواز الولاية من قبله على قولين :
أحدهما : جوازها إن عمل بالحق فيما تقلده، لأن يوسف عليه السلام ولي من قبل فرعون، ولأن الاعتبار في حقه بفعله لا بفعل غيره.
الثاني : لا يجوز ذلك له لما فيه من تولي الظالمين بالمعونة لهم وتزكيتهم بتنفيذ أعمالهم.
وأجاب من ذهب إلى هذا القول عن ولايته من قبل فرعون بجوابين :
أحدهما : أن فرعون يوسف كان صالحاً، وإنما الطاغي فرعون موسى.
الثاني : أنه نظر له في أملاكه دون أعماله فزالت عنه التبعة فيه.
والأصح من إطلاق هذين القولين أن يفصل ما يتولاه من جهة الظالم على ثلاثة أقسام :
أحدها : ما يجوز لأهله فعله من غير اجتهاد في تنفيذه كالصدقات والزكوات فيجوز توليته من جهة الظالمين لأن النص على متسحقيه قد أغنى عن الاجتهاد فيه، وجواز تفرد أربابه به قد أغنى عن التنفيذ.
والقسم الثاني : ما لا يجوز أن يتفردوا به ويلزم الإجتهاد في مصرفه كأموال الفيء فلا يجوز توليته من جهة الظالم لأنه يتصرف بغير حقٍ ويجتهد فيما لا يستحق.
والقسم الثالث : ما يجوز أن يتولاه أهله وللاجتهاد فيه مدخل كالقضايا والأحكام، فعقد التقليد فيه محلول، فإن كان النظر تننفيذاً لحكم بين متراضيين أو توسطاً بين مجبورين جاز، وإن كان إلزام إجبار لم يجز.
﴿ إني حفيظ عليم ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : حفيظ لما استودعتني عليم بما وليتني، قاله ابن زيد.
الثاني : حفيظ بالكتاب، عليم بالحساب، حكاه ابن سراقة، وأنه أول من كتب في القراطيس.
الثالث : حفيظ بالحساب، عليم بالألسن، قاله الأشجع عن سفيان.
الرابع : حفيظ لما وليتني، قاله قتادة، عليم بسني المجاعة، قاله شيبة الضبي. وفي هذا دليل على أنه يجوز للإنسان أن يصف نفسه بما فيه من علم وفضل، وليس هذا على الإطلاق في عموم الصفات ولكن مخصوص فيما اقترن بوصلة أو تعلق بظاهر من مكسب وممنوع منه فيما سواه لما فيه من تزكية ومراءاة، ولو تنزه الفاضل عنه لكان أليق بفضله، فإن يوسف دعته الضرورة إليه لما سبق من حاله ولما يرجوه من الظفر بأهله.


الصفحة التالية
Icon