قوله تعالى :﴿ فلما جهزهم بجهازهم ﴾ وهو كيل الطعام لهم بعد إكرامهم وإعطائه بعيراً لأخيهم مثل ما أعطاهم.
﴿ جعل السقاية في رحل أخيه ﴾ والسقاية والصواع واحد. قال ابن عباس. وكل شيء يشرب فيه فهو صواع، قال الشاعر :

نشرب الخمر بالصواع جهاراً وترى المتك بيننا مستعارا
قال قتادة : وكان إناء المتك الذي يشرب فيه.
واختلف في جنسه، فقال عكرمة كان من فضة، وقال عبد الرحمن بن زيد : كان من ذهب، وبه كال طعامهم مبالغة في إكرامهم.
وقال السدي : هو المكوك العادي الذي يلتقي طرفاه.
﴿ ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون ﴾ أي نادى مناد فسمى النداء أذاناً لأنه إعلام كالأذان.
وفي ﴿ العير ﴾ وجهان :
أحدهما : أنها الرفقة.
الثاني : أنها الإبل المرحولة المركوبة، قاله أبو عبيدة.
فإن قيل : كيف استجاز يوسف أن يجعل السقاية في رحل أخيه لسرقهم وهم برآء، وهذه معصية؟
قيل عن هذه أربعة أجوبة :
أحدها : أنها معصية فعلها الكيال ولم يأمر بها يوسف.
الثاني : أن المنادي الذي كال حين فقد السقاية ظن أنهم سرقوها ولم يعلم بما فعله يوسف، فلم يكن عاصياً.
الثالث : أن النداء كان بأمر يوسف، وعنى بذلك سرقتهم ليوسف من أبيه، وذلك صدق.
الرابع : أنها كانت خطيئة من قبل يوسف فعاقبه الله عليها بأن قال القوم ﴿ إن يسرق فقد سرق أخٌ له من قبل ﴾ يعنون يوسف. وذهب بعض من يقول بغوامض المعاني إلى أن معنى قوله ﴿ إنكم لسارقون ﴾ أي لعاقون لأبيكم في أمر أخيكم حيث أخذتموه منه وخنتموه فيه.
قوله تعالى :﴿ قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون ﴾ لأنهم استنكروا ما قذفوا به مع ثقتهم بأنفسهم فاستفهموا استفهام المبهوت.
﴿ قالوا نفقد صواع الملك ﴾ والصواع واحد وحكى غالب الليثي عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأ صوغ الملك بالغين معجمة، مأخوذ من الصياغة لأنه مصوغ من فضة أو ذهب وقيل من نحاس.
﴿ ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم ﴾ وهذه جعالة بذلت للواجد.
وفي حمل البعير وجهان :
أحدهما : حمل جمل، وهو قول الجمهور.
الثاني : حمل حمار، وهو لغة، قاله مجاهد.
واختلف في هذا البذل على قولين :
أحدهما : أن المنادي بذله عن نفسه لأنه قال ﴿ وأنا به زعيم ﴾ أي كفيل ضامن.
فإن قيل : فكيف ضمن حمل بعير وهو مجهول، وضمان المجهول لا يصح؟ قيل عنه جوابان :
أحدهما : أن حمل البعير قد كان عندهم معلوماً كالسوق فصح ضمانه.
الثاني : أنها جعالة وقد أجاز بعض الفقهاء فيها في الجهالة، ما لم يُجزْه في غيرها كما أجاز فيها ضمان ما لم يلزم، وإن منع منه في غيرها.


الصفحة التالية
Icon