قوله تعالى :﴿... اذهبوا فتحسَّسُوا مِن يوسُفَ وأخيه ﴾ أي استعملوا وتعرّفوا، ومنه قول عديّ بن زيد :
فإنْ حَييتَ فلا أحسسك في بلدي | وإن مرضت فلا تحسِسْك عُوّادِي |
﴿ ولا تيأسوا من روح الله ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : من فرج الله، قاله محمد بن إسحاق.
والثاني : من رحمة الله، قاله قتادة. وهو مأخوذ من الريح التي بالنفع. وإنما قال يعقوب ذلك لأنه تنّبه على يوسف برد البضاعة واحتباس أخيه وإظهار الكرامة ولما حكي أن يعقوب سأل ملك الموت هل قبضت روح يوسف؟ فقال : لا.
قوله تعالى :﴿ فلمّا دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مَسّنا وأهلنا الضر ﴾ وهذا مِن ألطف ترفيق وأبلغ استعطاف. وفي قصدهم بذلك قولان :
أحدهما : بأن يرد أخاهم عليهم، قاله ابن جرير.
والثاني : توفية كيلهم والمحاباة لهم، قاله علي بن عيسى.
﴿ وجئنا ببضاعةٍ مزجاةٍ ﴾ وأصل الإزجاء السَوْق بالدفع، وفيه قول الشاعر عدي بن الرقاع.
تزجي أغَنّ كأن إبرَة روقِهِ | قلمٌ أصاب من الدواة مدادها |
أحدها : أنها كانت دراهم، قاله ابن عباس.
الثاني : متاع الأعراب، صوف وسمن، قاله عبدالله بن الحارث.
الثالث : الحبة الخضراء وصنوبر، قاله أبو صالح.
الرابع : سويق المقل. قاله الضحاك.
الخامس : خلق الحبْل والغرارة، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً.
وفي المزجاة ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنها الرديئة، قاله ابن عباس.
والثاني : الكاسدة، قاله الضحاك.
الثالث : القليلة، قاله مجاهد. قال ابن إسحاق : وهي التي لا تبلغ قدر الحاجة ومنه قول الراعي :
ومرسل برسول غير متّهم | وحاجة غير مزجاة من الحاج |
﴿ فأوف لنا الكيل ﴾ فيه قولان :
أحدهما : الكيل الذي كان قد كاله لأخيهم، وهو قول ابن جريج.
الثاني : مثل كيلهم الأول لأن بضاعتهم الثانية أقل، قاله السدي.
﴿ وتصدق علينا ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدهما : معناه تفضل علينا بما بين الجياد والرديئة، قاله سعيد بن جبير والسدي والحسن، وذلك لأن الصدقة تحرم على جميع الأنبياء.
الثاني : تصدق علينا بالزيادة على حقنا، قاله سفيان بن عيينة. قال مجاهد : ولم تحرم الصدقة إلا على محمد ﷺ وحده.
الثالث : تصدق علينا برد أخينا إلينا، قاله ابن جريج، وكره للرجل أن يقول في دعائه : اللهم تصدّق عَليّ، لأن الصدقة لمن يبتغي الثواب.
الرابع : معناه تجوّز عنا، قاله ابن شجرة وابن زيد واستشهد بقول الشاعر :
تصدّق علينا يا ابن عفان واحتسب | وأمر علينا الأشعري لياليا |