قوله تعالى :﴿ اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً ﴾ وفيه وجهان :
أحدهما : مستبصراً بأمري لأنه إذا شم ريح القميص عرفني.
الثاني : بصيراً من العمى فذاك من أحد الآيات الثلاث في قميص يوسف بعد الدم الكذب وقدّه من دُبُره. وفيه وجه آخر لأنه قميص إبراهيم أنزل عليه من الجنة لما أُلقي في النار، فصار لإسحاق ثم ليعقوب، ثم ليوسف فخلص به من الجب وحازه حتى ألقاه أخوه على وجه أبيه فارتد بصيراً، ولم يعلم بما سبق من سلامة إبراهيم من النار ويوسف من الجب أن يعقوب يرجع به بصيراً.
قال الحسن : لولا أن الله تعالى أعلم يوسف بذلك لم يعلم أنه يرجع إليه بصره... وكان الذي حمل قميصه يهوذا بن يعقوب، قال ليوسف : أنا الذي حملت إليه قميصك بدم كذب فأحزنته فأنا الآن أحمل قميصك لأسرّه وليعود إليه بصره فحمله، حكاه السدي.
﴿ وأتوني بأهلكم أجمعين ﴾ لتتخذوا مِصرَ داراً. قال مسروق فكانوا ثلاثة وتسعين بين رجل وامرأة.
قوله تعالى :﴿ ولمّا فصلت العير ﴾ أي خرجت من مصر منطلقة إلى الشام.
﴿ قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف ﴾ فيها قولان :
أحدهما : أنها أمارات شاهدة وعلامات قوي ظنه بها، فكانت هي الريح التي وجدها ليوسف، مأخوذ من قولهم تنسمت رائحة كذا وكذا إذا قرب منك ما ظننت أنه سيكون.
والقول الثاني : وهو قول الجمهور أنه شم ريح يوسف التي عرفها.
قال جعفر بن محمد رضي الله عنه : وهي ريح الصبا. ثم اعتذر فقال :
﴿ لولا أن تفندّون ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : لولا أن تسفهون، قاله ابن عباس ومجاهد، ومنه قول النابغة الذبياني :

إلا سليمان إذ قال المليكُ له قم في البرية فا جددها عن الفنَد
أي عن السفة.
الثاني : معناه لولا أن تكذبون، قاله سعيد بن جبير والضحاك، ومنه قول الشاعر :
هل في افتخار الكريم من أود أم هل لقول الصديق من فند
أي من كذب.
الثالث : لولا أن تضعّفون، قاله ابن إسحاق. والتفنيد : تضعيف الرأي، ومنه قول الشاعر :
يا صاحبي دعا لومي وتفنيدي فليس ما فات من أمري بمردود
وكان قول هذا لأولاد بنيه، لغيبة بنيه عنه، فدل هذا على أن الجدَّ أبٌ.
الرابع : لولا أن تلوموني، قاله ابن بحر.
ومنه قول جرير :
يا عاذليَّ دعا الملامة واقصِرا طال الهوى وأطلْتُما التفنيدا
واختلفوا في المسافة التي وجد ريح قميصه منها على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه وجدها من مسافة عشرة أيام. قاله أبو الهذيل.
الثاني : من مسيرة ثمانية أيام، قاله ابن عباس.
الثالث : من مسيرة ستة أيام، قاله مجاهد. وكان يعقوب بأرض كنعان ويوسف بمصر وبينهما ثمانون فرسخاً، قاله قتادة.
قوله تعالى :﴿ قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : أي في خطئك القديم، قاله ابن عباس وابن زيد.
الثاني : في جنونك القديم، قاله سعيد بن جبير. قال الحسن : وهذا عقوق.
الثالث : في محبتك القديمة، قاله قتادة وسفيان.
الرابع : في شقائك القديم، قاله مقاتل، ومنه قول لبيد :
تمنى أن تلاقي آل سلمى بحطمة والمنى طرف الضِّلال
وفي قائل ذلك قولان :
أحدهما : بنوه، ولم يقصدوا بذلك ذماً فيأثموا.
والثاني : بنو نبيه وكانوا صغاراً.


الصفحة التالية
Icon