قوله تعالى :﴿ فلما أن جاء البشير ﴾ وفي قولان :
أحدهما : شمعون، قاله الضحاك.
الثاني : يهوذا. سمي بذلك لأنه أتاه ببشارة.
﴿ ألقاه على وجهه ﴾ يعني ألقى قميص يوسف على وجه يعقوب.
﴿ فارتدَّ بصيراً ﴾ أي رجع بصيراً، وفيه وجهان :
أحدهما : بصيراً بخبر يوسف.
الثاني : بصيراً من العمى.
﴿ قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : إني أعلم من صحة رؤيا يوسف ما لا تعلمون.
الثاني : إني أعلم من قول ملك الموت أنه لم يقبض روح يوسف ما لا تعلمون.
الثالث : إني أعلم من بلوى الأنبياء بالمحن ونزول العراج ونيل الثواب ما لا تعلمون.
قوله تعالى :﴿ قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا ﴾ وإنما سألوه ذلك لأمرين :
أحدهما : أنهم أدخلوا عليه من آلام الحزن ما لا يسقط المأثم عنه إلا بإجلاله.
الثاني : أنه نبيُّ تجاب دعوته ويعطى مسألته، فروى ابن وهب عن الليث بن سعد أن يعقوب وإخوة يوسف قاموا عشرين سنة يطلبون التوبة فيما فعل إخوة يوسف بيوسف لا يقبل ذلك منهم حتى لقي جبريل يعقوب فعلمه هذا الدعاء : يا رجاء المؤمنين لا تخيب رجائي، ويا غوث المؤمنين أغثني، ويا عَوْن المؤمنين أعني، ويا مجيب التّوابين تُبْ عليَّ فاستجيب لهم.
فإن قيل قد تقدمت المغفرة لهم بقول يوسف من قبل ﴿ لا تثريب عليكم ﴾ الآية، فلمَ سألوا أباهم أن يستغفر لهم؟
فعن ذلك ثلاثة أجوبة :
أحدها : لأن لفظ يوسف عن مستقبل صار وعداً، ولم يكن عن ماض فيكون خبراً.
الثاني : أن ما تقدم من يوسف كان مغفرة في حقه، ثم سألوا أباهم أن يستغفر لهم في حق نفسه.
الثالث : أنهم علموا نبوة أبيهم فوثقوا بإجابته، ولم يعلموا نبوة أخيهم فلم يثقوا بإجابته.
قوله تعالى :﴿ قال سوف أستغفر لكم ربي ﴾ وفي تأخيره الاستغفار لهم وجهان :
أحدهما : أنه أخره دفعاً عن العجيل ووعداً من بعد، فلذلك قال عطاء : طلب الحوائج إلى الشباب أسهل منها عند الشيوخ، ألا ترى إلى قول يوسف :﴿ لا تثريب عليكم اليوم ﴾ وإلى قول يعقوب :﴿ سوف أستغفر لكم ربي ﴾.
الثاني : أنه أخّره انتظاراً لوقت الإجابة وتوقعاً لزمان الطلب.
وفيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : عند صلاة الليل، قاله عمرو بن قيس.
الثاني : إلى السحَر، قاله ابن مسعود وابن عمر. روى أنس بن مالك عن النبي ﷺ أنه قال :« أخرهم إلى السحر لأن دعاء السحر مستجار
». الثالث : إلى ليلة الجمعة قاله ابن عباس ورواه عن النبي ﷺ مرفوعاً.
وإنما سألوه عن الاستغفار لهم وإن كان المستحق في ذنوبهم التوبة منها دون الاستغفار لهم ثلاثة أمور :
أحدها : للتبرك بدعائه واستغفاره. الثاني : طلباً لاستعطافه ورضاه. الثالث : لحذرهم من البلوى والامتحان في الدنيا