قوله تعالى :﴿ وإن من شيء إلا عندنا خزائنه ﴾ يعني وإن من شيء من أرزاق الخلق إلا عندنا خزائنه وفيه وجهان :
أحدهما : يعني مفاتيحه لأن في السماء مفاتيح الأرزاق، وهو معنى قول الكلبي.
الثاني : أنها الخزائن التي هي مجتمع الأرزاق. وفيها وجهان :
أحدهما : ما كتبه الله تعالى وقدره من أرزاق عباده.
الثاني : يعني المطر المنزل من السماء، لأنه نبات كل شيء، قال الحسن : المطر خزائن كل شيء.
﴿ وما ننزله إلا بقدر معلوم ﴾ قال ابن مسعود : ما كان عامٌ بأمطر من عام ولكن الله يقسمه حيث يشاء، فيمطر قوماً ويحرم آخرين.
قوله تعالى :﴿ وأرسلنا الرياحَ لواقِحَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : لواقح السحاب حتى يمطر، قاله الحسن وقتادة، وكل الرياح لواقح. غير أن الجنوب ألقح وقد روي عن النبي ﷺ :« ما هبت ريح جنوب إلا أنبع الله تعالى بها عيناً غدقة
»
. الثاني : لواقح للشجر حتى يثمر، قاله ابن عباس.
وقال أبو عبيدة : لواقح بمعنى ملاقح. وقال عبيد بن عمير : يرسل الله تعالى المبشرة فتقم الأرض قمّاً، ثم يرسل المثيرة فتثير السحاب، ثم يرسل المؤلفة فتؤلفه، ثم يرسل اللواقح فتلقح الشجر.
قوله تعالى :﴿ فأنزلنا من السماء ماءً ﴾ يعني من السحاب مطراً.
﴿ فأسقيناكموه ﴾ أي مكناكم منه، والفرق بين السقي والشرب أن السقي بذل المشروب، والشرب : استعمال المشروب، فصار الساقي باذلاً، والشارب مستعملاً.
﴿ وما أنتم له بخازنين ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : بخازني الماء الذي أنزلناه.
الثاني : بمانعي الماء الذي أنزلناه.
قوله تعالى :﴿ ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد عَلِمنا المستأخرين ﴾ فيه ثمانية تأويلات :
أحدها : أن المستقدمين الذين خلقوا، والمستأخرين الذين لم يخلقوا، قاله عكرمة.
الثاني : المستقدمين الذين ماتوا، والمستأخرين الذين هم أحياء لم يموتوا، قاله الضحاك.
الثالث : المستقدمين أول الخلق، والمستأخرين آخر الخلق، قاله الشعبي.
الرابع : المستقدمين أول الخلق ممن تقدم على أمة محمد، والمستأخرين أمة محمد ﷺ، قاله مجاهد.
الخامس : المستقدمين في الخير، والمستأخرين في الشر، قاله قتادة.
السادس : المستقدمين في صفوف الحرب، والمستأخرين فيها، قاله سعيد بن المسيب.
السابع : المستقدمين من قتل في الجهاد، والمستأخرين من لم يقتل، قاله القرظي.
الثامن : المستقدمين في صفوف الصلاة، والمستأخرين فيها.
روى عمر بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال : كانت تصلي خلف رسول الله ﷺ امرأةٌ من أحسن الناس، لا والله ما رأيت مثلها قط، فكان بعض الناس يستقدم في الصف الأول لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت إبطه في الصف، فأنزل الله تعالى في شأنها هذه الآية.


الصفحة التالية
Icon